لا يحضرني الآن اسم الشخص الذي أطلق المقولة المعبرة : (( كلما عاشرت المزيد من الناس ازدادت محبتي للكلاب )) . لكني أوافق معه ودون أدنى تحفظ ، على استنتاجه فيما يخص العلاقات الإنسانية بالمقارنة مع العلاقة بالكلاب . المقولة بدون شك قاسية لكنها من وجهة نظري واقعية إلى حد الصدمة . الكلاب تحب وتخلص بدون شروط ، وهذا ما تفتقر إليه العلاقات الإنسانية التي كثيرا ما تنتهي بالخيانة حتى وإن توافرت لها كل أسباب الوفاء ، وهو ما دفع بالحكيم العربي القديم إلى إطلاق صرخته التحذيرية المدوية : (( إتق شر من أحسنت إليه )) . تذكرت المقولة الجميلة التي دونتها في بداية المقال ، وأنا أشاهد فيلما أميركيا مستوحى من قصة واقعية حدثت في اليابان . قصة الفيلم تدور حينما يجد البروفسور الموسيقي كلبا ضالا فيتعهده بالرعاية على مدار عامين . وخلال هذه المدة البسيطة التي قضاها الكلب مع صاحبه ، يحدث أن يتعود الكلب على الخروج يوميا مع صاحبه الذي يعيش في بلدة صغيرة إلى محطة القطار ، ثم يعود إلى استقباله في الموعد المحدد لرجوعه من المدينة حيث يلقي دروسه في إحدى الجامعات الكبيرة . لكن الرجل ذهب مرة إلى عمله ولم يعد ، إذ وافته نوبة قلبية توفي على إثرها وهو يلقي محاضرته الأخيرة على طلابه . في هذه الأثناء ذهب الكلب كما تعود يوميا إلى محطة القطار لاستقبال صاحبه ، لكن الرجل كان قد مات وزوجته قررت بيع البيت ، وترك البلدة بأكملها ومعها الكلب الذي لم تكن تحبه كثيرا . ورغم أن ابنة الرجل حاولت أن تأخذ الكلب معها فإن الكلب هرب منها وأصر على البقاء في محطة القطار لانتظار صاحبه حتى يعود . ولأن البلدة صغيرة فقد كان جميع الناس فيها يعرفون بعضهم البعض ، مما جعل موظفي المحطة وأصحاب الدكاكين والأكشاك الملحقة بها ، يتولون مسؤولية إطعام الكلب يوميا . العجيب في الأمر أن الكلب ظل ينتظر صاحبه أمام القطار في الموعد المحدد لعودته يوميا لمدة تجاوزت العشر سنوات ، حتى انتهت القصة بموت الكلب الذي لم يتخلف يوما ما عن الانتظار . ما أجمل أن تقع في حب كلب ما . [email protected]