قبل أن ندلف لصلب موضوعنا اليوم أود من القارئ الكريم ألا يتعجَّل في الحُكم على المقال من عنوانه. فالمقال يعمل على المقارنة بين الفكرين (الإخواني والصفوي) من حيث حجم المغالطات العقدية وحجم النتائج المنطقية الوخيمة لهما. وعلى ضوء ذلك سوف يتضح له أن هذين الفكرين لهما الرقم ذاته في المقارنات السابقة، ويتضح له كم نحن غافلون عن (الفكر الصفوي). في الوقت نفسه يتضح له كم أشبَعْنا (فكر الإخوان) –وهذا هو المتوجَّب- تعريةً وتشريحًا لأصوله ومبادئه وأشبعنا فكر المنتمين له قراءة وتحليلاً، وحذَّرنا من هذا الفكر ومغالطاته، وتتبَّعنا حتى خلجات معتنقيه، وكل ذلك درءًا لخطره وتحجيمًا لنفوذه؛ عطفًا على نتائجه الوخيمة على العقيدة والبلاد والعباد. فكر الإخوان كفَّر المجتمعات الإسلامية وقاتل على السُّلطة بكل وسيلة ليُقيم دولة الخلافة على جماجم الأبرياء! يدَّعي أحد رموزه أن القرآن (مخلوق)، ثم يأتي بالطامة الكبرى التي اكتوت المجتمعات الإسلامية بنارها حين يرى أن المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع (جاهلي)! بل أكد على أنه لا توجد اليوم على الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم! ثم دعا إلى الانقلاب المنشود والسعي وراء تغيير نُظُم الحكم في البلاد التي يقطنها مسلمون! ولم يسلم منه الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وصف منظّر هذا الفكر خروج (ابن سبأ) عليه بأنه من روح الإسلام! وعلى هذا الفكر تغذَّت جماعات وحملته للجهات الأربع فوصل إلينا ومسَّنا من لهيبه الشيء الكثير. وأكتفي بفتنة الحرم عام (1400ه) وبتفجيرات (العِليَّا) عام (1415ه) دليلين جليَّين على النتائج الوخيمة المتولدة من هذا الفكر. إذًا يمكن القول إن هذا الفكر -في مبدئه- لم يسلم منه (القرآن ولا الصحابة) ثم إنه (كفَّر المجتمعات المسلمة ووصمها بالجاهلية ودعا إلى تغيير نُظُم الحُكم فيها) ثم (طبَّق أتباعه مبادئه على الواقع ففجَّروا في بلادنا). أجزم بأن الجميع يتفق معي على ما سبق، ومن الإنصاف القول إن أتباع هذا الفكر –اليوم- لا يقولون بتحريف القرآن ولا يسبُّون الصحابة، وتبقى مشكلتهم في التكفير والتفجير وطلب السُّلطة. والآن تعالوا إلى الفكر الصفوي الذي يفوق سابقه تطرفًا، هذا الفكر قام على مبدأ أن جبريل أخطأ في رسالته التي كان ينبغي أن تكون لعليٍّ رضي الله عنه –وهذه أول خططه لتشويه الإسلام- ثم إن أتباعه يسبون -عَلَنًا- أبابكر وعمر وعثمان وعائشة وجمعًا من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين! هذا الفكر يقول بتحريف القرآن الذي تواطأ المسلمون على صحته، هذا الفكر بحسب فتاوى بعض مراجعه (الكبار) يرى (كُفر) مَن لا يؤمن بولاية الأئمة، ويستحل دم المسلم من المذاهب الأخرى التي لا تتبعه، ويؤلِّه الأئمة ويدَّعي علمهم الغيب وتصريفهم الكون، ويرى ألا ولاية إلا للفقيه، ويتحين الفرص لبسط نفوذه على البلاد العربية كافة، وما البحرين والعراق وشمال اليمن وجنوب لبنان عنا ببعيد. ومن هذا الفكر أيضًا نهلت جماعات وحملته للجهات الأربع حتى وصَلَنا مدُّه العاتي كسابقه. وأكتفي بفتنة حج عام (1407ه) وبتفجيرات (الخُبر) عام (1416ه) دليلين جليَّين على النتائج الوخيمة المتولدة من هذا الفكر. إذًا فهذا الفكر يشترك مع سابقه في التكفير والتفجير وطلب السُّلطة، ويزيد عليه (باستمرارية) أتباعه بالقول (بتحريف القرآن ولعن الصحابة)، وبناء على مبادئه (نرى أتباعه قد فجروا في بلادنا). ويأتي العجب من ازدواجية بعض الكُتَّاب والمثقفين تجاه هذين الفكرين، إذ نجد لهم نقدًا حادًّا مستمرًّا –مستحقًّا- بحق فكر الإخوان ورموزه، وبه يُلصقون المصائب، وعليه يُسقطون الفتن، لكنهم في الوقت نفسه يتجاهلون خطر الفكر الصفوي ولا ينبسون ببنت شفه حول أهدافه وأفعال أتباعه، بل يَبرؤون ممن يتعرض لأتباعه بنقد، وإن حصلت من أتباع هذا الفكر زوبعة هنا أو هناك بحقنا فلا نجدهم ينتقدونه كنقدهم لغيره، وإن نالهم من أتباع هذا الفكر أذىً فلا يسعون لأخذ حقهم بأقلامهم. في الوقت نفسه نراهم لا يرحمون خصمهم من أتباع الفكر الأول متى نالهم أذىً من قِبَلِه، ويقفون وقفة رجل واحد ويرمونه بسهامهم عن قوس واحد! ما دمنا نتفق على أن الفكرين لهما قواسم مشتركة، وأن نتائجهما بحقنا واحدة تتمثل في (قدحهم في ثوابتنا وتكفيرهم لنا وتفجيرهم لمنشآتنا وخروجهم على ولاة أمرنا). فَلِم يغدو بعضنا (أسودًا) مع طرف (نعاماتٍ) مع الطرف الآخر؟! يجب أن نقف وقفة الشرفاء مع الفكرين وأتباعهما، وقفة تعود على أهلنا وبلادنا بالخير والأمان، فلا مماراة ولا مجاملة لفكر مهما كانت سطوة أتباعه ومنظريه، ومهما كانت جَلَبة مَن يقف خلفه ويدعمه. وعليه فإن وقوفنا بوجه فكر ما يقتضي الوقوف (بالقوة نفسها) مع الفكر الآخر مادام أن لهما المبادئ والأهداف ذاتها. يكفي أن الذين خططوا لفتنة (حنين) الأخيرة ينتمون –بالتساوي- لفكرَي (الإخوان والصفويين) ومع هذا أغمض بعض كتابنا ومثقفينا عينًا وفتحوا أخرى فكان الحُكم ساذجًا ومضحكًا.. وشر البليَّة ما يُضحك! [email protected]