مواصلات الصباح هي أم القضايا بالنسبة لمعظم الأسر خاصة في المدن الكبرى، فما من أسرة إلاّ ولديها أكثر من مشوار مما يتطلب تخطيطا دقيقا مع بداية كل فصل دراسي حتى يُستثمر لأقصى درجة أهم مورد بشري صباحي، وهو بالطبع السائق العزيز. وقليل من الأسر غير الشابة لا يتوزع أبناؤها وبناتها على معظم الخارطة الجغرافية لمدينة جدة، فمن المدارس الخاصة الجيدة في أقصى الشمال إلى الجامعة وكلية دار الحكمة في أقصى الجنوب. ولذا لا يستطيع سائق واحد غالبا إيصال أفراد الأسرة الكريمة إلى مقارهم التعليمية دون تأخير ملحوظ. وكثير كذلك من الآباء من يمارس دور السائق منذ الصباح الباكر، مما يضطره إلى الدوام المبكر كذلك سابقا رئيسه ورئيس رئيسه، لكن في المقابل ربما (زوّغ) مبكرا ليلتقط الابن أو الابنة من المدرسة عائدا به أو بها إلى المنزل، ومرتميا على سريره حتى وقت مد سفرة الطعام. طبعا قضيتنا الأزلية هي غياب باصات المدارس والكليات الحكومية، وكذلك باصات للنقل العام الآمن. وأما الحديث عن قطارات محترمة (كما في العالم المتحضر والمتخلف)، فيدخل في باب إضاعة الوقت الذي نُهينا عنه جملة وتفصيلا. ومع كل هذا الضنك اليومي، فإن بعضا من الزملاء أعضاء هيئة التدريس (الجامعيين ذكورا وإناثا) لا يقدرون هذه المشكلة حق قدرها، حتى ولو أقسم المتأخر أو المتأخرة بأغلظ الأيمان أن السبب هو الشوارع (الخالية) إلا من مليون سيارة، و(المعتنى) بها إلا من مليون حفرة. وهذا ولي أمر طالبة في كلية التربية بجدة يشكو من حالة ابنته التي تُطرد من محاضرة الثامنة صباحا لأنها تصل متأخرة قليلا، ولا تكتفي الدكتورة بتسجيلها (غائبة)، بل تصر على التمتع برؤية عرض أكتافها، وهي تولي محبطة باكية إلى ربها شاكية! سؤال وجيه فعلا: ما جدوى حرمان الطالبة من حضور المحاضرة؟ ولماذا تكون العقوبة مضاعفة؟ وأي هدف يحققه هذا الأسلوب (العتيق)؟ وهل ما زال هذا التصرف صالحا ومجديا من الناحية التربوية والتعليمية؟ صراحة لا أظن.. لأن التأخر حاصل على أي حال.. إلى أن يتم تشغيل القطار!!!