كثيرًا ما تُنعت المرأة بالجحود والنكران.. وكيف أنها تستطيع أن تمحو من ذاكرتها كلَّ ما هو جميل.. لتختار ما تريده هي من حقائق، وتتجاهل الكثير منها.. فهل هذه هي المخلوق الجميل التي شبهها ووصفها رسولنا الكريم في قوله صلى الله عليه وسلم: «رفقًا بالقوارير»؟! والتي أنعم الله عليها بعاطفة الأمومة، التي تجعل منها أول مَن يعطي، وآخر من يأخذ.. أم لأنها باتت ترى أكثر الرجال في عينها أطفالًا متمردين على هيئة رجال!! وهي تخفي في غبن، وكمد شقاءها..؟! * إن للأديب الكاتب عينًا فاحصة، وعمقًا تحليليًّا لمجريات الأمور، حيث لا يتجاوزه أمر إلاّ وأدلى فيه بدلوه، وقال فيه رأيه، وأبلى فيه من أثر انطباعه ما يحاكي الألم، ويصف المعاناة من أجل تبليغ الرسالة للفرد في المجتمع «مواطنًا ومسؤولًا»، بما يفي لمعرفة ما يدور حولنا، وفي الحياة الزوجية تحديدًا (نواة المجتمع) الأسرة يصبح تبليغ هذه الأمانة لمن يهمه الأمر واجبًا وطنيًّا إنسانيًّا كريمًا.. وقد التقطت عدسة هذا المقال شكوى ثلاث من النساء، ولامست معاناتهنّ، بادرتني إحداهن بقولها: لم أشعر في زوجي بقيمة اعتبارية، فهو شخص ليس لديه كرامة، يريد أن يأكل ويشرب في شقتي المتواضعة من راتبي، وأي حاجة أطلبها منه لواجب أسري يقول ادفعي من عندك!! وفوق ذلك كنت أهتم بمظهره وملبسه حتى جعلته في كل غيار وتبديل لملابسه كأنه عريس، فما كان منه إلاّ أن جعل له بدل الجوال أربعة جوالات، واحد لنا نعرفه جميعًا إذا كان بصحبتي أغلقه، أو جعله على الصامت، والأخرى لعلاقاته النسائية، لم أتنبّه لهذا إلاّ حين استيقظتُ لصلاة الفجر، وإذا بجواله يضوي دون جرس، وهو مستغرق في النوم، حملتُ الجوال، وحفظتُ الرقم، وبعد الصلاة وذهابي إلى العمل اتصلتُ على الرقم، وإذ بامرأة تحاكيني، بعد ما عدتُ إلى البيت أقررته بفعلته، ومن الطبيعي ينكر لأنه كاذب، فطلبتُ منه أن يقطع الشك باليقين، ويتصل بهذا الرقم من خطه هو، فقد كان صادرًا وواردًا على جواله، رفض ثم استسلم وجعلت الجوال على المكبر، فما أن شاهدت تلك المرأة رقمه حتى سمعتها تقول: هلا حبيبي، وكانت صدمتي فيه، الكارثة أنه رجل على مشارف الستين، فسقط من عيني حتى أن بناته يكرهن أن ينزلن معه إلى السوق من سماجته، ويتقززن من مشاهدة أبيهن (يغازل)، وغالبًا كان يأخذني بإصرار منه، وتلطف إلى منزل أهلي ليخرج مباشرة إلى أحد الأسواق الكبيرة ليفضحه الله أمام البعض من إخوتي في مشهد واضح وهو يعاكس.. ودون أن ينتبه لوجودهم.. تأكّدي أختي الجوهرة أن هذا الحدث يتكرر دائمًا، وتقصيره مستمر، والسنين تمضي، ولم أفرح بكلمة حب ومودة أو حتى بغرض يحمله إليّ، وإن كان حبات معدودة من فواكه يأتي بها..! * المرأة الثانية تقول: الشخص الذي فُرض عليَّ ليكون زوجي بطبعه قليل أدب، قليل حياء، فُرضت عليَّ حياة ليست حياتي، وفُرض عليَّ مكان وبيت ليس ببيتي، بل فُرض عليّ شخص ليس مني في شيء البتة، تحملتُ معاناة عمر بحاله لجهلي بالدنيا، وكنتُ أحسبها كذلك، وحين أفقت كنتُ قد أنجبتُ، فضحيتُ بعمري وسعادتي من أجل أولادي فقط، ومشواري طويل جدًا، ولكن ما كان يحدث لي جرائم في حق إنسانيتي وكرامتي ونفسيتي -مع الأسف- هي جرائم خفية لا يحاسب عليها أحد، وبعد أن ضاع العمر وضاعت حقوقي معه كونه أضاع ماضيّ وحاضري إلاّ من الأجر، فاسأل الله أن يحفظه لي، وبعد كوارث وزلازل لم تبقِ ولم تذر، فقد عُرف ببخله وسفاهته، وتفرّده، وتشبثه في أن يعيش لنفسه، فقد قرر بأن يعطيني ثلاثة آلاف ريال شهريًا من قبل سنتين من الآن فقط، أو إيجار شقة من عقاراته، فهذا الرجل مليونير، ولكن قلبه فقير، وعشرته مرّة، وطبعه شرس متسلّط، وسلوكه النكد والتنغيص.. تخيّلي جوهرتنا الفاضلة أن زوجي -أرجوك امسحي كلمة زوجي- (من شدة ما تكرهه)، أنه يقطع عني هذا المصروف التافه في حسبة أمواله كلّما تعمد إهانتي، وفي كل خصام وشجار، وهذا ديدن حياتنا التي لا تخلو من تنكيده وتنغيصه علينا المستمر، ورغم هذه الجرائم من الظلم والقسوة، وسوء العشرة إلاّ أني راضية بنصيبي إكرامًا لعيون أولادي الذين أشعروني أنهم بحاجتي حتى بعد زواجهم وإنجابهم، إنه الحب الصادق من الذرية الصالحة، وحب الأمومة الطاهر الذي كان بدلًا عن حب الزوج، إنه الإيمان وجميل الصبر. أكتفي بهذا مع اعتذاري عن القضية الثالثة لشدة قسوتها، وعن كثير من الكلمات والعبارات التي حذفتها لمرارتها، وصعوبة نشرها، إنما مثل هذه الأم قدّست أمومتها وفضّلت صبرها -فهي قد وُضعت في حياة لم تخترها- على أن يكون لها قرار بزواجها من رجل آخر (قد) يجرحها في أحد الأيام بكلمة تلامس شعورها، أو أحد أولادها!! ونوعية الأحرار هذه نادرة جدًا، مع أن هناك -وبالمقابل- الكثير من النسوة من أسوأ النوعيات، وهن الأسوأ من أولئك الأزواج.. فسبحان خالق كل شيءٍ بقدر، وخالق الإنسان في كبد. * الحقيقة الأصدق قول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم عندما قصد النساء بقوله: (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)، إذ لا يصح أن يعامل الزوج زوجته بالقسوة والجحود والنكران، أو أن يكافئها بالخيانة والتنكيد والتنغيص بمرارة قوله، وجلافة طبعه، وقد كانت سعادتها تنطلق من سعادته، فما الذي حصل لبعض أهل هذا الزمان؟ وكيف تحوّلت الرحمة والمودة والعطاء عندهم إلى كراهية، وبغض، وقسوة وابتلاء.. والعياذ بالله..؟! نسأل الله العفو والعافية.