حينما تجبرك الظروف لمراجعة مكان يمارس فيه عمل يخدم الناس عامة، فإنك تجد تباينًا في التعامل؛ فأحيانًا تجد ما تريده في وقت قياسي، وقد يتسرب وقت طويل ككوب ماء انسكب وأنت لم تتناول منه قطرة واحدة تسد ظمأك؛ فطلبك لم ينجز، وبالتالي رغيفك لم ينضج. قد تختلف البصمات بل من المستحيل أن تتشابه.. تريد أن تعرف السبب!! السبب هو بكل بساطة هو اختلاف صاحب اليد.. فكل مدير لديه يد، تحمل قلما، وتمتلك قرارا؛ بل لا أبالغ إن قلت إن مصالح وأرزاق كثير من البشر يجريها الله على أيدي مثل هؤلاء المدراء. فهل يعي المدراء حجم وضخامة الأمانة التي عجزت عنها السموات والأرض والجبال؟!! للأسف.. كلمة أخرجها أحد المراجعين تجيب عن هذا التساؤل.. ماذا قال ذاك المراجع؛ قال بعد أن أنجزت معاملته بكل سرعة “إللى ينجز غريب في هذا الزمن”. يقصد أن المدير الذي يسهل إجراءات المراجعين هو أشبه بمعدن غال ونفيس نادر الوجود، وعزيز على النفس. ومع غياب (المدير القدوة) إن صحت العبارة؛ أحببت أن أضع لكم صورة لمدير حول «دال» المدير إلى «نون» لتصبح (منير) بدلًا من (مدير). هذا المدير هو مصباح منير فلا وشاية تجد لمكتبه سبيلا، ولا مراجع يهان وهو يشم الهواء، ولا طوابير انتظار توجد وهو يرى.. لا.. فهذه المفردات محذوفة من قاموس هذا المدير. فالمعاملة التي لا تنجز يحال موظفها المسؤول إلى التحقيق لأن تأخير المعاملات تعطيل لمصالح لا يرضاها إطلاقًا هذا المدير. والشكوى التي ترفع تسمع من الألف إلى الياء حتى توضع النقاط على الحروف نقطة نقطة بدون كلل أو ملل. دورات بمئات الآلاف خرجت منذ أن دخل هذه الإدارة، وتغييرات حدثت، بل وظائف حركت، وأرزاق فتحت، وأبواب للخير أضيئت، ومظلومون انتصر لحقوقهم.. كل هذا كان مثل سيل جارف حل على المديرية العامة للشؤون الصحية بتبوك بعد أن وضع الدكتور علي مقبول الغامدي أول قدم له كمدير عام لها. عجزت عن وصفه، واحترت في رسمه، واستسلمت لعدله؛ مما أوحى لي بأن مخ هذا الرجل أشبه بالكمبيوتر الذي يقوم بالملايين من المهمات في وقت واحد، وبدقة متناهية. آه.. ليت مدراء أجلاء يقتفون أثره، ويسيرون على دربه؛ قبل أن يودعوا مناصبهم بآثار محطمة كقوم عاد وثمود، ذهب رسمهم، وغاب صوتهم، وبقي ذكرهم عبرةً لكل معتبر. فيا ترى: هل سيغار المدراء من مناصبهم ودرجاتهم، أم هل سيتفاخر المدراء بإنجاز معاملات المراجعين، وزيادة الاهتمام بشكاوى المواطنين!! الجواب؛ هو ما سيقوله الناس ليس الآن أو غدًا بل؛ بعد أن يغادر هذا المدير منصبه؛ فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، ويا ليت قومي يعلمون أو يسمعون أو حتى يبصرون تلك الحقيقة. أخيرًا أقول: عندما تغتر، أو تعجب بأي إنسان، في أي منصبٍ كائنًا من كان؛ تأمل بعقلك لو لم يكن في هذا المنصب المرموق، هل سيكون له هذا الذكر والإعجاب والثناء أم لا؟ إن كانت الإجابة بنعم؛ فسيكون حاله أنه إنسان كمال يقال: الرجل المناسب في المكان المناسب. وإن كانت الإجابة ب (لا) وهي الغالبة في نظري، وفي واقعي من حولي؛ فأعلم بأن أدنى شكة إبرة كافية بتنسيم هذا الفيل، أو انفجار ذاك البالون. * المناصب، والأماكن؛ كلها بمثابة أقنعة لا بد أن تسقط عن وجوهنا يومًا ما، فتكشف، وتصرح، وتسفر عن وجوهنا الجديدة كما هي كانت ولا بد أن تكون؛ إن لم يكن في الدنيا، ففي دار العرض يوم العرض. عبدالعزيز جايز الفقيري - تبوك