* صدقت الزميلة المبدعة الأستاذة البتول الهاشمية في مقالها يوم الجمعة الماضي المعنون: «هذه هي أمريكا»، حين وصفت أمريكا بالازدواجية في ذهنيتها الرسمية، عند تعاملها مع غيرها من دول وشعوب العالم. فأمريكا كما تقول البتول: «لا يُستغرب منها تصرفها الأخير.. لأن مَن يلقي قنبلتين نوويتين على مدينتين نائمتين ليقتل مائة ألف من البشر يمكنه إلقاء جثة هامدة في البحر». * أمريكا بلد المتناقضات بحق وحقيق، فهي التي تنادي ليل نهار بحماية حقوق الإنسان، وتمارس الضغوط في كل المحافل الدولية كالأممالمتحدة، ومحكمة العدل الدولية، واليونسكو، ولكنها لا تتورع أبدًا في انتهاك تلك الحقوق إذا تعلّقت بمصالحها! فمن حملات عسكرية، إلى حملات وضغوطات سياسية في كل المنظمات والهيئات الدولية، بل إن أمريكا ذاتها التي قاتلت، وناضلت من أجل استصدار قوانين لحماية حقوق الإنسان، ترفض أن يخضع أيٌّ من جنودها للمحاكمة الدولية؛ حتى وإن انتهكوا تلك الحقوق. * ومن تناقضات الذهنية الرسمية الأمريكية ما نراه ونشاهده ونقرأه منذ أن أصبحت الولاياتالمتحدة قوة عالمية عظمى، من دفاع، واستبسال عن الديمقراطية، والسعي إلى نشرها وسيادتها في كل أنحاء العالم، في ذات الوقت الذي تغض فيه النظر عن حلفائها، وجنودها، وجيوشها عند صدامها مع مخالفيها، كما حدث في تشيلي، والجزائر، والعراق، وفلسطين.. فرغم أن كل هذه الدول تم فيها انتخاب حكومات من قِبل شعوبها؛ إلاّ أن ذلك لم يُعجب أمريكا لمعارضتهم لها، فأحالت أيامهم إلى جحيم، وتدخلت بالقتل والاغتيال كما حدث مع الرئيس التشيلي المنتخب سلفادور اليندي. * ولعل قمة التناقضات الأمريكية ما تدّعيه أمريكا من حرية للشعوب، وحماية لأمنهم، وحفاظًا لأرواحهم (أقليات أو غيرها) حين تشنّ من أجل ذلك حروبًا ومعارك، وتسن قوانين مقاطعة وعقوبات تمتد لسنوات، كما هو حادث مع كوبا، في ذات الوقت الذي تتغاضى فيه عن جرائم ضد الإنسانية ترتكبها حليفتها إسرائيل، بل وتؤيد تلك الجرائم بمنع أي عقوبات يفرضها المجتمع الدولي ضد إسرائيل، سواء في الأممالمتحدة، أو مجلس الأمن، أو محكمة العدل الدولية. * والمستهجن أن هذه الذهنية الرسمية المتناقضة انتقلت في عدواها إلى الذهنية الشعبية الأمريكية! فالمعروف أن الشعب الأمريكي في معظمه من أنبل شعوب الأرض، فيما يتعلّق بحقوق الإنسان، وتعامله مع الآخرين بإنسانية متساوية، لا تفريق، ولا عنصرية.. غير أن مشاهد الاحتفالات في الميادين الأمريكية لمقتل زعيم القاعدة، ورمي جثته في البحر، وترديد هتافات ذكّرتني بالميادين العربية، وهو ليس سوى تناقض مع ما هو معروف عن استهجان معظم الأمريكيين للتشفّي من الموتى، بغض النظر عن أفكارهم، ومعتقداتهم، وألوانهم، وخلفياتهم البيئية.. ولعل خير مثال على ذلك الحملة الشرسة التي شنتها أمريكا ضد الفلسطينيين الذين اختطفوا السفينة السياحية «اكيلي لاورو»، ورمي جثة المواطن الأمريكي ليون هوفر في البحر الأبيض المتوسط بعد مقتله، واعتبارها ذلك الفعل همجية ووحشية لا تنتمي للبشرية بأي حال من الأحوال، ولكنها هكذا هي السياسة وألاعيبها، فالمصالح الذاتية تأتي فوق كل اعتبار، حتى ولو كان إنسانيًّا ومبادئيًّا، وهو ما أثبتته أمريكا في كل تصرفاتها مع شعوب العالم.