معاناة متجددة يعيشها مواطنو حي أبرق الرغامة، ففي منتصف الشارع العام تتكدس المركبات لتعبر الحفر التي قد غطتها المياه المتدفقة على أقل من مهلها، وكأنها تختبر غور تلك الحفر وخطورتها. ولمعرفة معاناة السكان مع هذه المشكلة وأسبابها ومدى إمكانية إيجاد حلول لها، قامت “المدينة” بجولة ميدانية في الحي واستطلعت آراء المواطنين الذين قالوا إنهم لم يتركوا دائرة حكومية ذات علاقة بهذه المشكلة المستمرة منذ حوالى العام والنصف، إلا وتقدموا لها، بدءا بالبلدية والأمانة والمجلس البلدي، مرورا بالدفاع المدني وهيئة المساحة الجيولوجية، وانتهاء بحقوق الإنسان.. وإلى الآن لا يزالون ينتظرون أن تمتد إليهم يد تنهي هذه المعاناة. معاناة يومية محمد عيد المطيري الذي قال: “أنا مضطر للمرور يوميا من هنا رغم المشاكل التي تتعرض لها السيارة، وبعض هذه الحفر لا يُعرف مدى غورها وخطورتها.. فهي ليست مجرد حفر مليئة بالماء بل عبارة عن بحيرة”. بدوره تساءل عارف الحربي عن أصل هذه المشكلة، هل هو خزان متصدع؟.. أم مياه صرف صحي؟.. من أين تخرج هذه المياه؟.. هذا أمر غير معقول، لا بد من حل. هذا الشارع الهام الذي يربط أجزاء حيوية من الحي بطرق رئيسة يتعرض لتجاهل تام من قبل الجهات الحكومية، ولا مبالاة يحصد نتاجها المواطن المضطر الذي يعبر هذه الطريق أكثر من مرة في اليوم. وبالقرب من ذلك المنظر المائي العكر سألنا عاملا يمنيا في مغسلة ملابس عن معايشته اليومية لما يراه فأجاب: أصبح هذا المستنقع ينفر الزبائن من المغسلة والمحلات الأخرى المجاورة.. حاولنا أكثر من مرة أن نردم بعض أجزائه بالتراب، ولكن يوما واحدا فقط كفيل بعودة المياه لتغمره وتعود الحفر مجددا فتتواصل المعاناة. أسباب التدفق وفي منتصف هذه الصورة المؤلمة يظهر مبنى من طابقين قد توقفت فيه أعمال البناء منذ فترة تقارب الستة أشهر أو أكثر وبات مهجورًا، وبموازته تمامًا مستنقع تتسرب المياه منه إلى المبنى الذي اكتست تربته باللون الأخضر بفعل المياه الراكدة والأعشاب والطحالب، وكلها كونت بيئة رطبة ولينة غير صالحة لحمل هذا المبنى، وربما كان هذا هو السبب الرئيس في توقف صاحبه عن إكماله. والغريب أنه لا تفوح رائحة صرف صحي من هذه المياه التي تظهر نقية في مجراها، وهو يدل على أنها مياه جوفية تجمعت وأخذت طريقها إلى هذه المنطقة. “لا فائدة” دخلنا إلى منزل محمد العيدروس لنتعرف على واقع تلك المعاناة التي لا يعرف عنها هؤلاء المارة بسياراتهم، سوى ما تسببه لهم من معاناة يومية، استقبلنا بكلمتين لا تخلوان من حسرة.. كلمتان اختصر من خلالهما معاناته وجيرانه.. “لا فائدة”، مشيرا إلى أن أصحاب البيوت المجاورة لهذه المياه يعانون في صمت، وانتظار طويل لا يبدده سوى الخوف من وقوع الأسوأ. وعن تاريخ هذه المشكلة، قال: “منذ سنة ونصف ونحن نراقب تدفق هذه المياه وازدياد تسربها الذي امتد حتى تجاوز الخط السريع”. وأضاف: لم نترك دائرة حكومية لها علاقة بهذا الأمر إلا وتقدمنا لها.. تدرجنا كما ينبغي في مراجعاتنا وأوراقنا.. تقدمنا للبلدية والأمانة والمجلس البلدي والدفاع المدني وهيئة المساحة الجيولوجية، حتى هيئة حقوق الإنسان تقدمنا لها.. وإلى الآن ما نزال ننتظر دون أي تعاون. الدفاع المدني يتعامل معي بالهاتف وفي فناء منزله كانت المياه الجوفية تتسرب إلى خزان المياه بغزارة من خلال الجدران الأسمنتية، وهو يقول: تحملت أجرة 36 وايتا لسحب هذه المياه من الخزان طوال الفترة الماضية، ولكنها تعود في كل مرة لتملأه وتلوث مياهه مجددا".. سألناه عن تفاعل الأجهزة الحكومية مع معاملته ووضعه فأجاب: "لا فائدة.. الدفاع المدني يتعامل معي بالهاتف ولا يحضر، هيئة المساحة الجيولوجية أتى مندوبوها وعاينوا ثم اعتذروا بأن المياه متفرقة عند الجيران ومن الصعب المتابعة". سألناه "وماذا بعد ؟".. فصعد بنا إلى داخل المنزل وأرانا صورا لبرقيات أرسلها لعدد من الجهات المختصة، ولرؤساء جهات أخرى كالمجلس البلدي، الدفاع المدني، والأمانة وغيرها. وعن هذا الواقع يقول الدكتور حسين البار رئيس اللجنة الصحية البيئية في المجلس البلدي: " قد تكون هذه المياه خليط من الصرف الصحي والمياه الجوفية، وهناك أيضًا أثر آخر خطِر بسبب ركود المياه وتجمعها حول عدد من المنازل، وهو ما يعزز خطر تكاثر البعوض والحشرات المسببة والناقلة للأمراض، وربما توفر المكافحة الذاتية حلًا نوعيًا مؤقتًا لهذه المشكلة ولكنه ليس بحل يجلب الراحة والخلاص من المشكلة. ------------------------------------------------------------- “الوطنية”: لا علاقة لنا بالمياه الجوفية وفي محاولة للبحث عن الحل اتصلنا بالمهندس عبدالله العساف المشرف العام على فرع الشركة الوطنية للمياه بشأن هذه المشكلة فقال: «ليس لشركتنا بالمياه الجوفية المتدفقة في حي أبرق الرغامة، فهذا من اختصاص الأمانة التي اعتمدت مشروعًا لتخفيض منسوب المياه الجوفية بمختلف أحياء جدة.