انتقد رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وإمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد غياب ثقافة الحوار والاستماع وحسن الحديث مع الآخر مهما خالفنا في الرأي في مجتمعنا. واصفًا ذلك بالمشكلة. وقال: وظيفة الحوار بيان الحق ونشره وليس الإجبار على قبوله. موضحًا أنه ليس تنازلًا عن المسلمات ولا تفريطًا في الثوابت ولا تلفيقًا بين الأديان أو الأفكار أو المعتقدات، ولكن المطلوب هو التعاون على ما فيه الخير، وحفظ الكرامة، وحماية الحقوق، ورفع الظلم ورد العدوان، وحل المشكلات، وتوفير العيش الكريم، ونبذ الظلم والقهر والبغي. ولفت ابن حميد أن الحوار ليس خاصًا أو مقصورًا على المسائل الدينية أو الفكرية وقضايا الاعتقاد والمبادئ، بل يجري في كل القضايا الإنسانية والمجتمعية من البيئة وحقوق الإنسان والاقتصاد والتربية والأسعار والفقر والفقراء والمستضعفين والمخدرات. وقال: إن الجلسات في المحاكم السعودية مفتوحة، ومن حق المدعي والمدّعي عليه أن يقدم خطابًا بما يريد قوله أو يتحدث أمام القاضي شفهيًا والقاضي يدون له، أو يُوَكل محاميًا للتحدث نيابة عنه. وقال: إن الله تعالى أمر نبيه بالحوار وخاطب غير المسلمين بقوله: “وما أدري ما يفعل بي ولا بكم”. ثم قال في الآية التي بعدها: (قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نُسأل عما تعملون”. وهذا خير دليل على أدب الحوار بين أنبياء الله ومخالفيهم، وصف عمله بالإجرام وعملهم بالعمل، وهذا غاية الأدب في الحوار مع المخالف رغم اليقين أن رسالة الأنبياء حق. وأكد أن باب الاجتهاد واسع، موضحًا أنه ينبغي ألا تحتكر الحقيقة لأن حق إبداء الرأي مبذول من أصحابه. ودعا إلى أن تتطهر النفوس المفكرة من أدران الأزمات والانتكاسات، وتحرير العقلية من الاستعباد والاستبداد والتصنيف والإقصاء، ونزع روح الاستعلاء الفكري والاجتماعي، فلا قيد إلا مراقبة الله أولًا، ثم التخصص واحترامه. وأشار أن التخصص يؤدي إلى التخفيف من حدة الخلاف؛ لأنه إذا تحدث المرء في غير فنه وتخصصه دخل في مصارعات ومماحكات لا تنتهي. مشددًا على أهمية نشر ثقافة الحوار واحترام الآخر، وأهمية أن يسود ذلك في المجتمع الأسري والوسط المدرسي. جاء ذلك في محاضرة ألقاها أمس في افتتاح برنامج الحوار والمجتمع الذي تنظمه كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر بجامعة أم القري، بحضور وكلاء الجامعة وعمداء الكليات والطلاب، كما استمع الطالبات للمحاضرة عبر الشبكة التليفزيونية. وقال ابن حميد: خير طريق للإقناع حسن الاستماع الذي يورث التقدير والاحترام والثقة بالنفس، ويخفف من حدة الخلاف ويفتح ميادين الحوار والفهم والتفاهم. وأشار إلى أن العناصر المؤثرة في الناس ثلاثة هي الأخلاق من المصداقية والجاذبية والدماثة والقدوة. والرغبة في الإحسان وتقديم الخدمة والمنطق أي الإقناع بالحجة والحوار والمجادلة، وأكثر الناس يتعلق بالعنصر الثالث، ولو أنهم لاحظوا العنصرين الأولين لوفروا شيئًا كثيرًا، ولتوصلوا إلى نتائج باهرة يقول ابن حزم: “من أراد الإنصاف فليضع نفسه مكان خصمه، فإنه يلوح له وجه تعسفه”. وتقول الحكماء: إذا جالست العالم فأنصت، وإذا جالست الجهل فأنصت، العالم زيادة علم، والجاهل زيادة حلم، والاستماع للفهم والتفهم لا لتتبع الزلات والتقاط العثرات أو التهيؤ للرد، ولا تحمل أحكامًا مسبقة، الحكمة ضالة المؤمن. اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال. وأضاف رئيس المجلس الأعلى للقضاء إذا لم تزد شيئًا على الدنيا كنت أنت زائدًا عليها والشيء الوحيد الذي يمكن أن تثق فيه وتستطيع إصلاحه هو أنت، وأكثر إعاقة في الدنيا هو صاحب التفكير السلبي. وأكد ابن حميد أن الحوار هو الوجه الحضاري المضئ في مقابل التعصب والانغلاق والاستبداد والإقصاء. وكان اللقاء بدأ بكلمة لعميد كلية خدمة المجتمع والتعليم المستمر بالجامعة الدكتور ياسر شوشو أشار فيها إلى أهمية الحوار في حياة المجتمعات، مشيرًا إلى أنه لا يزال منهجًا متبعًا أسلوبًا ناجعًا في التقريب بين وجهات النظر المختلفة، وفي تفسير المقاصد والفعاليات، وفي توضيح الأحداث ورفع الملابسات. وأوضح أنه على المستوى الدعوي تظل لغة الحوار ومخاطبة العقول والأفهام منهجًا سديدًا وأسلوبًا موفقًا، وأشار أن مملكتنا الغالية اعتمدت مبدأ الحوار أساسًا راسخًا من أساس الحكم فيها، ودعامة أساسية ومنطلقًا صلبًا في تعاملاتها على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك منذ تأسيس هذا الكيان الشامخ على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز آل سعود، ومرورًا بكل من تعاقب على حكمه من أبنائه البررة. وتحدث مدير الجامعة الدكتور بكري بن معتوق عساس مرحبًا بالدكتور ابن حميد كما نقل له تحيات وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري.