لا شيء أسوأ من «الحمّى»، وقد أجاد في وصفها «المتنبي» وآثارها في إجهاد من تنتهك بدنه وتقض مضجعه، وتترك كل شيء وتبيت في عظامه، وتحول بينه وبين الطعام والشراب. كذلك حمى انتخابات المجالس البلدية حين أعلن عنها للمرة الأولى قبل عدة سنوات وكان ضجيجها حينذاك يصم الآذان وما يكتب عنها في الصحف يعشي العيون حتى انتهت إلى ما انتهت إليه وانتهى ليلها الطويل وجاء الصباح ولم يأت أحد. المادة «23» من نظام البلديات والقرى تضم (14) فقرة تبين صلاحيات المجالس البلدية وهي واسعة إلى الحد الذي تكون فيه صاحبة التقرير والمراقبة ورئيس البلدية صاحب التنفيذ، وفيها كثير مما يشبه صلاحيات مجالس الإدارة في الشركات في القطاع الخاص. في سبيل الحكم على نجاح تجربة انتخابات المجالس وقبل أن تبدأ حمى انتخابات جديدة كان لابد أن تقدم المجالس الحالية تقاريرها عما قامت به في حدود صلاحياتها، وهل هي راضية عن أدائها، وما هي المعوقات التي اعترضت سبيلها، وكيف يمكن أن يكون للمجالس دور فاعل في حدود النظام أو تعديل النظام إن استدعى الأمر. الاستعدادات للانتخابات الجديدة لم تحظ بما حظيت به سابقتها من سخونة بلغت درجة عالية تكاد تتفوق على درجات حرارة الربع الخالي في أشهر الصيف القاسية، وهنا يكمن السر في أن الأداء لم يكن بذلك الذي كان يطمح إليه المرشحون حتى وجدوا أنهم أمام صحراء قاحلة لا يملكون أن يزرعوا فيها حتى مجرد كلمة عابرة . يحاول البعض تسخين جو الانتخابات بإقحام غياب العنصر النسائي لعل وتيرة الحماس تنطلق لكن الملاحظ أن صوت المرأة المطالب بوجود انتخابي لا وجود له، بل إنه ربما يشاهد العزوف التام من قبل المرشحات لأن تجربة الرجال لم تكن مشجعة بما فيه الكفاية. كشف الحساب وإبراء الذمة ومعرفة نتيجة التجربة هي أساس يستند إليه في إعادة خوض التجربة من جديد أو تغيير مسارها.