عجلة الزمان تدور، والأيام تمضي سرعى. فالحياة إلى زوال مهما طال المسير. وكل صائر إلى أجل مسمّى عند بارئه، وما منا من أحد إلاّ وستصدر له ذات ساعة (شهادة وفاة)، ولكن هناك مَن سيحظى بشهادات وفاء تصدر له من قلوب مَن ألِفهم ومَن ألِفوه مقرونة بعميق دعاء. هكذا هم الأثرياء بحب الناس كبقية خلق الله، يموتون لكنهم في الذاكرة يسكنون، وفي الوجدان يخلدون. ومن أولئك ذلك العذب (محمد صادق دياب) الأستاذ والروائي والإعلامي الذي ملأ أجواء ثقافتنا وتربيتنا إبداعًا وعطاءً.أجدها سانحة أن أقتبس من مجموعته (16حكاية من الحارة) والتي حظيت كبقية محبيه باقتنائها -هدية قيمة- من الراحل العزيز منذ عقدين من الزمن.ففي تصدير المجموعة يقول: (ومن أجل عيون كل هؤلاء البسطاء الذين لا يتواضع التاريخ لذكرهم أكتب (عنهم)، و(لهم) بالأسلوب البسيط الذي تعلمته منهم...) أ.ه هكذا كان محمد صادق دياب كبيرًا حتى في تواضعه، حينما تمدد التواضع في دواخله حتى إنه لم يدع للكبر مساحة. وحينما يتعامل أستاذ الجامعة مع طلبته بمهنية وموضوعية، فهذا موقف جيد وعملي، وعندما يحنو المعلم على تلاميذه فهو موقف إنساني. ولكن ماذا نقول عن أستاذ يرتقي بطلبته ليزاملهم ليجعل كل فرد منهم مشروع أستاذ، وأنموذج معلم، هنا تتجلّى العبقرية والقيمة المهنية. أتذكر زمنًا كنا فيه طلابًا في كلية المعلمين بمكةالمكرمة في العام 1400ه حظينا فيه بكوكبة من الأساتذة، كان الراحل العزيز من المبّرزين والمميّزين، لم نلقَ في تعاملنا معه وتعامله معنا سوى العطاء الصادق، والوفاء الفائق، الأمر الذي جعل من البيئة التعليمية في الكلية في تلكم الحقبة أنموذجًا يتذكره الجميع. رحم الله الأستاذ محمد صادق دياب رحمة واسعة، فقد كانت حياته حكاية مشوقة. وبرحيله وُلدت حكاية هو بطلها وصانعها، فهي الحكاية السابعة عشرة. والله المستعان أحمد مكي العلاوي - مكة المكرمة