إن الإعلام بماهيته وبمفاهيمه وأهدافه يعاني من قصور خيم على شكلية تفاعله وصورته، ومكانته المفروضة والمبتغاة والطموحة، التي نعلم أنها لا بد أن تقوم على أسس وثوابت وحقائق واحتياجات، حتى وجدناه وقد أصبح إعلامًا غير مكتمل لأن هناك بعض النواقص تشوبه، والقاعدة تقول إن صناعة إعلام ذا مستوى مرموق يكون من خلال صنّاع مهرة علميًا وعمليًا لذلك الإعلام، ومع هذا وذاك لا بد أن كل إعلامي حق بيولوجيًا بالفطرة يوجد في داخله نواة إعلامي، وهذا ينطوى على بقية المتخصصين المهندسين والأطباء والمحامين وغيرهم وجل العلوم؛ ولكن كيف نصل على سبيل المثال إلى معرفة ذلك الإعلامي أو الشاعر أو العالم أو الفنّان القابع في داخل كل تلميذ وطالب علم.. بشيء من الجدية هل مدارسنا الثانوية معدة لأن تكون الأرض الخصبة التي يتخرّج منها الآلاف سنويًّا. هذا مفترض؛ ولكن ما دورها وإمكانياتها في اكتشاف أصحاب المواهب والقدرات والملكات..؟! واسمحوا لي أن أضيف عليها الشطحات من باب لا يغرك اللي قدامك يجي منه أكثر مما تتصور؛ ولكن ما يبان عليه إما لأنه جسور أو ذو شخصية بسيطة لا تنم عن ذلك أو لا يتكلم كثيرًا فلا تستطيع تقييمه أو إنه يُصد دائمًا لمعرفة وثقة الآخرين أنه لو أُعطي الفرصة لتجاوزهم بمراحل نظرًا للبون الشاسع بينه وبينهم فكريًّا وعلى أرض الواقع والفارق بينهم لغة الاحتراف. إن أولئك من أصحاب المواهب وما ذكرته سابقًا في تلك المراحل الدراسية والعمرية قد تنبئ عن وجود كاتب ومذيع ومفكّر وفنّان ومهندس وطبيب ومحامٍ ورجل أعمال وإداري و... في كل طالب بشكل غير مرئي، فمن يملك الفراسة والتقييم والرؤية الثاقبة لمعرفة ذلك وإظهاره - شيء من الإجابة أورد بعضها أن في كل المدارس في زماننا يوجد مشرف طلابي ومرشد طلابي ومعامل ومسارح ومراسم وصحف حائط وجمعيات ومختبرات وملاعب ونسبة نجاح وأهلية موجودات المدرسة تلك لا تتعدى 30%. والسؤال ما دور كل هذه الموجودات إن وجدت في تنمية وتطوير هذا النشء وتوجيهه ورعايته وإعانته ومساعدته والأخذ بيده لاكتشاف مكنوناتهم وشخصياتهم ومواهبهم وميولهم وقدراتهم ونبوغهم واتجاهاتهم وتوجهاتهم؟ أرى أن ذلك يجب أن يتم من خلال إدارات المدارس بحيث يكون بها قائمون مختصون يديرون تلك الموجودات المساعدة وتهيئة الجو الجيد بتكفل المحفزات والنفقات وذلك بتوفير المستلزمات وتذليل العقبات بعمل مسح ودراسات وبحوث وتقييم وتقارير ترصد عن كل طالب يملك ولو شيئًا بسيطًا من تلك المقومات وترسل لإدارة تكون وزارة التربية والتعليم قد خصصتها للعناية والاهتمام ولتسهيل توجيه رجال الغد بما يتناسب مع قدرات ومكنونات أولئك العباقرة الصغار، والحرص على متابعة قبولهم في الكليات المناسبة والصحيحة بشكل دقيق بشعار (لا واسطة ولا محسوبية). وفي اعتقادي أن هذا الشيء موجود ولكن بشكل متواضع جدًّا، فنسبة لا بأس بها من خريجي الثانوية العامة يحصلون على درجات عالية ولكنهم لا يتوفقون لدراسة تخصصات جزء منها موجود في دواخلهم بمساحات مبشرة لو وجدت العون والمساعدة والاستيعاب والقبول والتحفيز لبرعت ونبغت.. وإنهم كما أسلفت يصدمون باختبارات القدرات والتحصيل والمقابلات الشخصية واللغتين العربية والإنجليزية، وهكذا تذهب الطموحات والآمال والمقومات أدراج الرياح، كما أن معضلة اللغة العربية والإنجليزية وعدم الاكتراث بهما وضعف المدرسين يزيد الطلاب ضعفًا على ضعف. إنه عدد كبير جدًّا من الطلاب ممن يعانون هذا.. وهذا هو الحزن الأكبر في الأمر برمته. سؤال ليس عرضيًا؛ لماذا لا يتم تدريس مهارات القدرات والتحصيل والمقابلات وتعطى لهم جرعات وفي كل عام تزيد الجرعة حتى يكتسبها العقل والجسم ولا تؤدي إلى ردة فعل عكسية طول حياة كل منا، هذا يجب أن يبدأ من المرحلة المتوسطة الإعدادية، وأنا أركز على كلمة إعدادية لأنها فعلًا مرحلة إعداد وتهيئة ودفع لكل طالب ودرجة التقبل والتطويع لمساراته تكون عالية في هذه السن؛ ولكن يجب أن تعتمد على مدرسين قادرين متمكنين أكفاء وموهوبين يمكنهم زرع حب المتلقي لهم وما يتلقاه منهم لأن الاسلوب الرصين والمعرفة العالية والقبول والممارسة الطويلة والبساطة والحضور والسلاسة والارتقاء إلى شخصية الطالب والنزول إلى مستواها سوف يثمر ويؤثر تأثيرًا عاليًا على نتائج درجة التلقي والحصول على نسب عالية في تلك المهارات والقدرات وهذه مفيدة ليس للطلاب فقط الذين سوف يستمرون في تحصيلهم العلمي ولكنها منفعة لجميع الطلاب حتى من أجبرته الدنيا وضاقت عليه لأي سبب بأن ينزل لساحة العمل فتكون لديه خلفية وقاعدة أقل ما يمكن أن نطلق عليها أنها جيدة. - هناك أمر غريب يشغلني ألا وهو أمر بعض المدارس؛ أليست كل المدارس الحكومية تحت لواء ومظلة ومسؤولية وميزانية وزارة التربية والتعليم؟ إذن لماذا توجد مدارس نموذجية وأخرى غير نموذجية، أولا يحق للطلاب جميعًا أن يدرسوا في مدارس نموذجية تحقيقًا للمساواة. - هناك أيضًا غياب كبير على كثير من الأنشطة التي كنا نمارسها ونحضرها ونتلاقى نتنافس ونمضي فيها أجمل الأوقات كأبناء مدرسة واحدة وبيننا وبين مدارس أخرى مثل دوري المدارس، مسابقات الطلاب العلمية والثقافية التي كانت تمثل أحد اهتمامات الإذاعة والتلفزيون، المهرجانات الرياضية، الرحلات الطلابية، حفلات نهاية العام الدراسي وما يتبعه من تكريم للطلاب والمدرسين والعاملين.. تلك النقاط تفرز نقاط ضعف بعدم وجودها أو ندرتها وقوة في حال وجودها ووجود من يستطيع التعامل معها وجعلها مفيدة ومسلية وكاشفة للقدرات، وما دامت تفرز كلتاهما فلماذا لا نركز ونحقق منها الإيجاب والقوة. • عوده للإعلام؛ إن أكبر المتضررين أو من أكبر المتضررين جدًّا جدًّا هو الإعلام كأحد التخصصات المهمة على مستوى العالم لأن العالم الآن أصبح إعلامًا في إعلام حتى لو تخصصنا في مجال الذرة أو النقل أو أي تخصص آخر فلا بد من الإعلام، على سبيل المثال إن كل ما أسلفت معني به إعلامنا لأننا في زمن الهيمنة والاحتراف وبسط النفوذ والتواجد بقوة لشد وجذب وإقناع المتلقين، وبنظرة على إصداراتنا المقروءة وبرامجنا مسموعة ومرئية نجد أن نسبة عالية ممن يصنعون إعلامنا يحتاجون إلى تأهيل طويل وتمرس ومحاكاة ومشاركات وخوض وتواجد في مطابخ ومختبرات واستوديوهات ومكتبات وأرشيفات ومراكز المعلومات المختصة بكل ما يمت بصلة للإعلام... • في ظل الإعلام وما وصل إليه بدون تحديد ماذا فعلت وماذا تنوي وماذا أعدت أقسام الإعلام في جامعاتنا والمؤسسات الإعلامية والقطاعات الحكومية والخاصة.. إن أعدادًا كبيرة جدًّا تتخرج سنويًّا من أقسام الإعلام بالجامعات ومصير جلهم غير معروف وغير مراعى، ماذا لو قامت الجامعات بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام والمؤسسات الإعلامية بعمل دراسات موسعة مستقبلية لمصير أولئك الخريجين. (*) مستشار إعلامي