في مجال الفن بميادينه المختلفة بدأت نهضتنا الحديثة على يد رفاعة الطهطاوي بالدعوة إلى استلهام الجانب الخير والإيجابي في الفنون الغربية لتكون وسيلة من وسائل الإصلاح وتهذيب الأخلاق وتربية الجماهير.. عندما شاهد الطهطاوي التياتر في باريس إبان بعثته هناك (1826-1831م) كتب عنها فقال: “إن فيها تقليد سائر ما وقع.. يأخذ الإنسان منها عبرًا عجيبة، وذلك أنه يرى فيها سائر الأعمال الصالحة والسيئة ومدح الأولى وذم الثانية، حتى إن الفرنساوية يقولون: إنها تؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها فهي وإن كانت مشتملة على المضحكات فكم فيها الكثير من المبكيات ومن المكتوب على الستارة التي تُرخي بعد فراغ اللعب (التمثيل) -ما معناه بالعربية: قد تنصلح العوائد باللعب.. فالتياتر كالمدرسة العامة، يتعلم فيها العالم والجاهل.. فتؤدب أخلاق الإنسان وتهذبها ويحتزر أهلها ما أمكن عن الأمور التي يفتتن بها، والمخلة بالحياء...”. هكذا رأى الطهطاوي فنون الدراما والتمثيل في باريس.. ودعا إلى الاستفادة منها لتكون مدرسة تبتعد عما يفتن ويخل بالحياء وتتعلم فيها الجماهير. لكن عموم بلوى الاستعمار التي عممت بلوى التغريب قد قلبت مقاصد الرواد، وفي طليعتهم الطهطاوي.. رأسًا على عقب فبدلًا من أن يكون الفن مدرسة تبعتد عما يفتن ويخل بالحياء أشاع الاستعمار والمتغربون من أعوانه ألوانا من الفنون غدت نماذج للخنا والفسق والفجور، تعتمد وتتعمد الاغراء والانحلال وإطلاق العنان للغرائز الحيوانية لدى الإنسان. لقد خلق الله -سبحانه وتعالى- الإنسان من طين ثم نفخ فيه من روحه فأصبح إلهيًا ربانيًا، سجدت له الملائكة المقربون أجمعين.. ولقد أودع الله في هذا الإنسان الملكات التي تجعله ربانيًا لو أقسم على الله أبره الله.. كما أودع فيه الغرائز التي تقوده إذا هو أطلق لها العنان إلى تلك الحيوانية.. حتى ليكون كالأنعام بل أضل سبيلًا. وهنا يكون دور الفن في حياة الإنسان: • معراجًا يعرج به على سلم الفضائل التي تعمر بها النفس الإنسانية وتهذب بها ثقافته ومدنيته. •أو سقوطًا إلى درك الغرائز الحيوانية والشهوات والانحرافات. ولأن الاستعمار طامع في استغلال خيرات بلادنا ونهب ثروات عالم الإسلام، ولأن الإسلام قد كان على مر التاريخ هو باعث روح الجهاد التي تدفع الإنسان المسلم لتحرير بلاده واستخلاص ثرواتها من النهب الاستعماري كانت عين الاستعمار الحديث على الفنون الهابطة أداة لقتل روح الجدية والرجولة وفضائل العزة والاباء والغلبة لدى الإنسان المسلم.. ليصبح هذا الإنسان “رخوًا” “مخنثًا” تستغرقه الشهوات وتفترسه الغرائز.. وذلك ليسرح الاستعمار ويمرح آمنًا في بلاد الإسلام.. يحتل الأرض.. وينهب الثروات ويقتل -بالفن الهابط: فن الخنا والفسق والفجور- روح العزة والجهاد وملكات الابداع لدى هذا الإنسان. لكن الصحوة الإسلامية التي تمثل أعظم ظواهر العصر الذي نعيش فيه قد جاءت لتعلن للعالمين: •إفلاس كل نماذج التحديث على النمط الغربي في بلاد الإسلام.. من القومية العنصرية.. إلى الليبرالية الرأسمالية المتوحشة.. إلى الشيوعية المادية الملحدة. •والتقزز من هذه “الفنون الغرائزية” التي أفرزتها الحداثة الغربية، وعدمية ما بعد الحداثة وتفكيكها العبثي والفوضوي النابع من التراث التلمودي عند العنصرية اليهودية.