يطلق أهل الحجاز منذ القدم لفظ «لسه في اللفة» على الشخص المفتقر للخبرة، وهو تشبيه للطفل الرضيع الذي مازالت أمه تلفه بين طيات القماش الأبيض. وهنا تحضرني تجربة أحد أصدقائي خلال وصوله إلى مدينة فرانسيسكو بالولايات المتحدةالأمريكية بأواخر السبعينيات للانخراط بالتعليم الجامعي؛ لكونه كان لسه في «اللفة»، حيث أستأجر منزلاً بأحد الأحياء، ومن ثم شرع في تأثيثه وتجهيزه بكافة احتياجاته، وكان يشاهد كل يوم تراكم أكياس القمامة السوداء أمام المنازل، وتأتي الشركة المسؤولة عن نظافة المنطقة كل صباح بجمعها بعربات مخصصة لذلك، نال إعجابه ما شاهده وقال: هذه «النظافة وإلاّ بلاش، لا في حاويات قمامة، ولا يحزنون»، وأسرع إلى السوبر ماركت وهمَّ بشراء هذه الأكياس لجمع مخلفات منزله «العامر» ومن ثم وضعها خارجة، وكانت دهشته عندما فوجئ في صباح اليوم التالي أن كافة أكياس الحي تمت إزالتها ما عدا أكياسه، واستمر في وضع مخلفاته واحدة تلو الأخرى يوم بعد يوم لمدة أسبوع كامل على أمل إزالتها، ولكن دون جدوى حتى سئم من تجاهل شركة النظافة له إلاّ أن أحد جيرانه عاتبه على فعلته تلك، وأنه لا يليق بنظافة الحي، وعليه معالجة الأمر بصفه عاجلة. جابهه صديقي بنظرة يشوبها «التناحة» قائلاً، ولكنهم يرفضون إزالة الأكياس من أمام منزلي، ولا أستطيع إرغامهم على ذلك فرد جاره قائلاً: يجب أن تشترك لدى الشركة وتسدد الرسوم الشهرية المقررة عليك للتمتع بالخدمة.. شاب صديقي نوع من الغرابة قائلاً: «آفا» حتى القمايم عليها رسوم، وهنا خرج صديقي من «اللفة» بهذا الدرس، وسارع بسداد الرسوم المطلوبة، وبدأت الخدمة تقدم له صباح كل يوم. تراكم النفايات في مدينة جدة أصبحت إحدى أهم المشكلات التي تواجه مدينتنا الجميلة. ليس ذلك فحسب، بل إن صناديق القمامة بألوانها الزاهية والمختلفة، ونبشها تارة من بعض الفئات الآسيوية والإفريقية، والعبث بها من قِبل الهراوات تارة أخرى، أصبحت تمثل جزءًا من الشكل العام للمدينة الذي نرفض أن نعتاد عليه، وقد آن الأوان في إعادة النظر في إنفاق تلك المليارات سنويًّا على هذه الخدمة، وإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة. تذكرت بعدها ما قام به معالي المهندس عبد الله المعلمي خلال فترة توليه منصب أمانة مدينة جدة بالبدء في مشروع «حي بدون حاويات»، حيث بدأ بتطبيق وتجربة هذه الفكرة على أحد أحياء مدينة جدة، والتي أثبتت نجاحها، وكنا نتوقع أن يتم تعميمها على باقي الأحياء، ولكن هذه الفكرة لم تجد الدعم الكافي بعد ترك المهندس المعلمي لمنصب الأمين، وكأن الحلم الذي راوده وراودنا قد تم اغتياله في وضح النهار. [email protected]