( هذه مقتطفات من كلمة العقيد هيثم ابن الراحل أحمد عبدالغفور عطار التي سيلقيها في حفل تكريم والده اليوم ). ما كنت لأكتب هذا المقال ولا لأدُقّ بابه لولا الرغبة في ألا يندثر العلم، ولكي لا يبقى سجين الكراتين والأرفف الحديدية الصامتة. ففي كل عام نفقد العشرات تلفًا وضياعًا وأسباب أخرى كثيرة. إنه العلم الذي ورَّثه الشيخ أحمد عبدالغفور عطار لأبنائه، إنها مكتبته الزاخرة العظيمة، لقد جمعت البديع من شتَّى العلوم، والنادر من المخطوطات العربية والمصاحف الكريمة، وتخصّصت في العقيدة والفقه الإسلامي، كما هو حالها في النحو والصرف، والأدب العربي نثرًا وشعرًا ونقدًا، وعلم الاجتماعيات والتربية والعلوم الإنسانية والفلسفة والروايات والدوريات المختلفة التي أهمها كامل أعداد جريدة عكاظ الفرد لا المؤسسة، أضِف إلى ذلك مؤلفاته ومُحققاته ومذكراته. تُوُفي الشيخ قبل عشرين عامًا في اليوم السابع عشر من شهر رجب في العام 1411ه وترك خلفه علمًا عظيمًا وحِملًا ثقيلًا لمن أراد أن يخوض فيه. ترك مكتبة بها أكثر من ثلاثة وعشرين ألف كتاب وأكثر من ثمانين مؤلفًا وعشرين مُحَقَّقًا ومُتَرْجمًا. كانت بداية الأمر تحدٍ كبير خضته بعد رحيله رحمه الله ويكمن في المفاضلة بين خدمة الدين ثم المليك والوطن ثم الفضل الذي أنعمت عليَّ به الدولة من التأهيل والتدريب على أفضل المنظومات القتالية في العالم أو التفرّغ لإدارة الكتب والمكتبة. آثرت وقتها أن أبر وطني، فكنت أثناء تأدية واجباتي ومهامي لا تغيب عن ذهني فكرة مكتبة أحمد عبدالغفور عطار العامة التي تفتح أبوابها للقراء وطلبة العلم فتكون من العمل الصالح غير المنقطع بالموت. ورغم أعباء العمل أخذت أبحث عن كافل للمكتبة أو حاضن لها، الجهات الرسمية ترفض تخصيص موقع ومشرف أو حتى أن تُلحق بأحد المساجد في موقع مخصص، مكتبة كذا رحبت ولكن على أن تتسلم كراتين دون جرد للكتب، مركز معلومات إحدى الصحف يريدها أن تندمج ضمن مقتنياته مجانًا لكي يبيع المعلومات بعد ذلك إلى كل محتاج لها، كثُرت التحديات وزاد الهم همّا. إن هذه المكتبة العزيزة إلى نفسي والقريبة من قلبي هي جزء من الأستاذ أحمد وأبيات شِعْرِه وسطور حياته، إنها لم تُجمع إلا بالتعب وطول الترحال وبذل الكثير من المال، فهو لم يبخل عن شراء النفيس كي يعمرها بها ويستفيد ويفيد، ولا يخلُ أغلبها من ملاحظة أو تهميشة له، لقد أورد رحمه الله في مقدمة كتابه المسمى “عندما اشتغلت بالصحافة” الذي أسأل الله أن يعينني على طباعته: (فأنا سعيد كل السعادة إذ انتُزِعَت مني جريدتي عكاظ واضطررت للتفرغ للأدب والعلم والدراسة وأي نعمة أعظم من أن تنقلب المصيبة بهجة وسرورًا فقد كان انتزاع جريدتي عكاظ مني مصيبة وآلمني انتزاع الحق مني ولكن الله أزال مني ما كنت أشعر من ألم وأحال النقمة نعمة فألّفت كتابًا ضخمًا في الديانات والعقائد في مختلف العصور في عديد من الأجزاء ولعله أوفى كتاب في بابه في العربية وأنجزت كثيرًا من أعمالي العلمية والأدبية التي وقفها اشتغالي بالصحافة).