عاشت أمتنا خلال العقود السابقة التي تلت التحرر من الاستعمار الأجنبي في حالة من القهر المفروض عليها قسرًا من قبل الكثير من الأنظمة الحاكمة، وخلال هذه الفترة غابت أو غُيِّبت الإرادة الشعبية الحقيقية، وحل محلها إرادات مزيفة ومفبركة ومزورة، تمثلت في برلمانات مسخ جيء بها لتصبغ وجه الحياة السياسية الكالح بأصباغ تبدو زاهية ومن تحتها يقبع الظلم والقهر والفساد. أطلقت النظم الحاكمة اليد للبرلمانات المزيفة (التي جاء معظمها بالتعيين المباشر) أو البرلمانات المزورة (التي تدخلت فيه أيادي الدولة لتفرض رأيها وحزبها ورجالها على بقية الأحزاب والرجال)، لتصبح اليد المشرِّعة للنظام، إن أراد إنفاذ أمر أنفذته، وإن أراد تعطيل أمر عطَّلته، وإن أراد إغلاق شيء أغلقته، وإن أراد فتح شيء فتحته. البنى التشريعية في أكثر النظم العربية باتت مهلهلة ليس لها قرار، والانتخابات كانت فاقدة للتمثيل الشرعي والشعبي، ولصوص القوانين أطلقوا أيديهم لتعمل في مواد الدستور وتعدلها حسب قياس النظام وشكله، وأعضاء البرلمان رضوا بأن يقوموا بدور الكومبارس وسط دعم «الكومبرادورات» (وهم الطبقة المنتفعة الفاسدة)، وفي ظل وضاعة الأجهزة الثقافية المترهلة، وطاحونة الآلة الإعلامية الضخمة، وتحت حماية هراوات وجلادي معظم وزارات الداخلية وأسلحتها. ونحن نتساءل لماذا تستبعد الأنظمة العربية -إلا من رحم ربي- كل التيارات والرموز المعارضة والمستقلة من الانتخابات؟ ولماذا يتم تزوير البطاقات الانتخابية لصالح الأحزاب الحاكمة؟ ولمصلحة من يتم استبعاد الإشراف القضائي الحقيقي والمباشر على الانتخابات؟ وهل الاستعانة بالبلطجية وأصحاب السوابق - بهدف ترويع الناخبين، والسيطرة على محيط لجنة الانتخابات وتيسير عمليات التزوير - يظهر البلد بالمظهر الحضاري بين بلدان العالم؟! إنها برلمانات تعرف أنها جيء بها ولم تأت لموقعها عبر انتخابات نزيهة يقول فيها الشعب كلمته، ويبدي فيها رأيه بدون مجاملة أو تزوير لأحد، ومن ثم ظهرت متهافتة متهالكة، لم تستطع إقناع الشعب بها أو بالثقة فيها، وأصبح أكثر الذين يدخلونها يوصمون أنهم من حماة النظام وسدنته، وأن ليس لهم من الأمر شيء إلا أن يوافقوا على كل ما يريده النظام! حتى تلك البرلمانات التي تستخدم الحنكة القديمة التي تميَّز بها من سبقهم، فيقومون بحبكة التزوير، ويعطون الفرصة لبعض المعارضين من باب الديكور وسد الذرائع وتحسين الصورة عالميًا – أقول حتى هؤلاء لم تشفع لهم أعمالهم في إظهارهم بمظهر حضاري لا أمام شعوبهم ولا أمام دول العالم، وظهرت دعوات كثيرة في بلادهم تطالب بالحرية والمساواة والإصلاح الدستوري الشامل. بعض النظم العربية (ويدعمها بعض المرتزقة من الإعلاميين والمثقفين) كانت تزعم أن الشعوب العربية ليست مؤهلة للديمقراطية الآن، وأن أمامها عشرات السنين حتى تصبح مؤهلة لهذه المرحلة؛ فإذا بالاستفتاء المصري على التعديلات الدستورية -والذي جرى في مشهد ديمقراطي حقيقي خلال الأيام القليلة الماضية، وفي جو من الحرية لم تعرفه مصر منذ عدة عقود، وشهد له العالم بالنزاهة والنظام والديمقراطية- يرد على كل هذه التخويفات، ويثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه التخويفات كانت ضربًا من الخيال، وأنها شيِّدت على بحر من الرمال، من أجل حماية النظم المتهافتة وحسب، وكانت النتيجة أنْ ذهبت معها إلى غير عودة. إن أي برلمان يتشكل بالتعيين أو بشبه التعيين هو برلمان مسخ مقيت يدل على احتقار الشعوب، ومن ثم فقد كفرت به الشعوب العربية، بل واستقر في قرارة نفسها أنه شكل من أشكال الديكتاتورية، لذا فقد آن الأوان للاستجابة لمطالب الشعوب التي تقرها كل الأعراف والقيم والدساتير في العالم.. فهل هم فاعلون؟ د. علي الحمادي - المشرف العام على الموقع الإلكتروني إسلام تايم.