هناك فئة من المجتمع شاركت الملايين فرحتها بقرارات خادم الحرمين الشريفين -حماه الله- الاقتصادية. بل وحتى عندما صدر قرار الإجازة ليوم السبت شاركت الملايين فرحتها، ثم تذكرت أنها أصلاً في إجازة طويلة. فهي في حالة بطالة. هذه الفئة يجب أن يتحمّل المجتمع مسؤوليته نحوها. إن البطالة هي التهديد الحقيقي لمجتمعنا. فالعاقل مَن اتّعظ بغيره، يجب على المجتمع ورجال الأعمال أن لا يتركوا هذه الفئة أرضًا خصبةً لأي فتنة، ولا ممرًا للجريمة، أو للمخدرات. وزارة الداخلية كانت غاية في الوضوح في إحصائياتها التي قدمتها للمجتمع، أن 90% من المساجين هم مِن مَن لم يجدوا عملاً.. فبالله عليكم هل من جرس أقوى لينبهنا ويحذرنا؟!. هؤلاء الذين لم يجدوا عملاً، لا يطالبوننا بالمستحيل، ولا الكثير، لم يطالبوا بمطالب سياسية، أو عدالة اجتماعية، ولم يطالبوا بما يهدد سلامة المجتمع، بل هم فقط يطالبون رجال الأعمال أن يكون لهم عمل وسط هؤلاء التسعة ملايين وافد، الذين ينافسونهم عليه. آمل أن لا نعود للحجج السابقة بالحديث حول مخرّجات التعليم والتدريب. فهذه حلول طويلة المدى، أمّا الآن فالأمر أحسم من ذلك وأسرع. خادم الحرمين -حفظه الله- خصّ هذه الفئة بقرارين: الأول تقديم إعانة البطالة، والثاني أمره -حفظه الله تعالى- معالي وزير التجارة، ومعالي وزير العمل الاجتماع بالتجّار للإسراع بخلق فرص العمل لهذه الفئة، وهذا ما تم أول من أمس. في ذلك الاجتماع كان هناك نموذج مشرف، وهو ما قدّمته شركة السروات من نجاح باهر للسعودة، وتجارب إنسانية أخّاذة. قلت لمعالي وزير العمل: إن تجربة قطاع الذهب مع صندوق تنمية الموارد البشرية تجربة رائعة، وقلت له حتى لو أن معالي الوزير قدّم لي تأشيرات لاستقدام رجال بيع، وهذا ممنوع قانونًا، لقلتُ له: شكرًا لا أحتاجهم! فالبائعون السعوديون لديّ أفخر بهم، وبالتزامهم، وأمانتهم. وكثير من رجال الأعمال قدّموا نماذج مشرفة للسعودة، وأمّا البعض فأعاد التكرار، وقارن بين السعودي والأجنبي، كأنما الاستقدام هو حق مكتسب، وكأن على المجتمع أن ينتظر عقدين لتتحسن مخرجات التعليم بما يناسب رغبات أرباب العمل، (رغم أن نصف هؤلاء التسعة ملايين وافد بين الأمية والابتدائية)، وربما بعض المتسترين الذين استقدموهم كذلك. كتبت سابقًا -ولازلت- أكرر، وسأكرر أن الشباب حديثي التخرج هم أولى فئات المجتمع بالإعانة. ففكرة الراتب المدعوم، مع تنظيم العلاقة التعاقدية الملزمة لطرفي العمل فيها مخرج سريع من الأزمة. ليس من المعقول أن يتنقل العامل بين أرباب العمل وقت ما شاء، أو ينتقل فجأة ليذهب للعمل الحكومي. كل هذا بيد الدولة أن تنظمه وبحزم، فالقطاع الخاص ليس معبرًا للوظائف. أعلم تمامًا أن ليس القطاع الخاص سواء، فمنهم مَن تكاليفه تكاد تلتهم أرباحه التي هي أساس بقائه، وهذا لا يجب أن يتحمّل أي عبء اجتماعي مثل مَن أخذ من المال العام قروضًا، وأرضًا صناعية، أو زراعية، أو حتى حبية.. أمّا الشركات الكبيرة التي تتمتع بعقود بمليارات الريالات من المال العام كل عام، فلا أعتقد أن لديها أي حجة إلاّ إذا أقنعتنا أنها تخسر وسط هذه المليارات التي تتقلّب بينها كل عام. ليس هم فقط، بل كما قال بطاطيس حكيم أسبرطة: «مَن أخذ أكثر من المجتمع عليه أن يدفع أكثر للمجتمع»، ثم نظر حكيم أسبرطة لزوجته صفاليس وقال: غطيني يا صفاليس، يظهر ما فيش فايدة! [email protected]