لم تتضح حتى الآن هوية منفذي العملية التي استهدفت عائلة إسرائيلية (أب وأم وثلاثة أطفال) في مستوطنة «ايتمار» قرب نابلس في الضفة الغربية، لا سيما أن أيًا من الفصائل الفلسطينية لم تعلن تبنيها باستثناء كتائب شهداء الأقصى (جناح الشهيد عماد مغنية)، والتي نستبعد أن يكون تبنيها حقيقيًا، إذ درجت هذه المجموعة المرتبطة بحزب الله اللبناني على تبني عمليات ليست من تنفيذها في أكثر الأحيان من أجل التأكيد على أن لها نشاطها الذي لا يتوقف. ليس من المستبعد أن تكون العملية مجرد جريمة عادية لا صلة لها بمقاومة الاحتلال، كما لا نستبعد أن تكون فعلًا فرديًا تبعًا لطبيعتها (التنفيذ تم بسكين وليس بسلاح ناري)، أعني أن يكون المنفذ شابًا فلسطينيًا عاديًا ممن يريدون مقاومة الاحتلال من دون أن تكون لهم صلة بأي فصيل، لا سيما أن المقاومة الفصائلية المسلحة باتت شبه معدومة باستثناء عمليات محدودة لحركة حماس، أي أن التجنيد الفصائلي الذي كان يستوعب الشباب الغاضب لم يعد موجودًا، ما قد يدفع بعضهم إلى فعل فردي من هذا النوع. الرد الإسرائيلي على العملية كان عنيفًا، لا أعني الرد بإعلان بناء وحدات استيطانية جديدة، ولكن الرد الغاضب بأسلوب قاسٍ من قبل الحكومة الصهيونية على السلطة وقيادتها، إثر اتصال الرئيس الفلسطيني للتعزية والاستنكار، حيث قالت الصحافة الإسرائيلية إن نتنياهو قد أسمع الرئيس الفلسطيني كلامًا قاسيًا خلاصته إحالة الجريمة إلى تقاعس السلطة عن القيام بدورها في منع التحريض في المدارس والمساجد كما تفعل الحكومة الإسرائيلية. الدوائر الإسرائيلية، وفي سياق من التحريض ضد حركة حماس أيضًا، تحدثت عن ردود فعل بعض الناطقين باسمها التي بدت مرحبة بالعملية، مع أن ذلك لم يكن صحيحًا، اللهم إلا في سياق من القول إن الممارسات الإسرائيلية يمكن أن تستجلب بعض ردود الفعل غير الطبيعية من قبل الفلسطينيين. الناطق باسم حماس قال إن الحركة لا تقتل الأطفال، في إعلان براءة واضح من العملية، وهو منهج صحيح تتبناه حماس التي لم تتعرض للأطفال في يوم من الأيام، اللهم إلا ما جاء عرضًا وبالخطأ في بعض العمليات، وقد كانت لدى كتائبها تعليمات واضحة على هذا الصعيد. لم يحدث مثلًا أن استهدف باص للأطفال أو حتى لفتيان المدارس، كما أن العمليات الاستشهادية كانت تحرص كل الحرص على تجنب الأهداف التي يكون فيها أطفال، وفي إحدى المرات دخل استشهادي مقهى فوجد طفلًا مع أمه فترك المكان وخرج، الأمر الذي أثار الريبة بشأنه وأدى إلى اعتقاله قبل أن يفجر نفسه. في المقابل من قال إن الطرف الصهيوني يمنع التحريض في المدارس وفي الكنس، ومن قال إنهم يفعلون ذلك في وسائل الإعلان غير الرئيسة؟ إن من يتابع سيل الفتاوى العنصرية، التي يطلقها الحاخامات يتأكد أن التحريض العنصري لم يتوقف في يوم من الأيام ضد الفلسطينيين. أما ممارسات المستوطنين وقطعانهم المسعورة، فهي قصة أخرى تكشف الحقيقة عن كثب. إنهم يقتلون الأطفال والعجائز وينكلون بهم، ويقطعون الأشجار (السلطات الإسرائيلية تعتقل الأطفال وتعذبهم أيضًا)، ويرتكبون كل ما يتخيله العقل من ممارسات همجية، الأمر الذي لا ترد عليه سلطات الاحتلال إلا بشكل ناعم لا يوقفه عند حده، مع العلم أننا نتحدث عن مستوطنين في الضفة الغربية، وهي مناطق محتلة بحسب القانون الدولي. أما السلطة، فهي تقوم بكل ما في وسعها، ليس من أجل منع قتل الأطفال الإسرائيليين فحسب، بل من أجل منع قتل المستوطنين، وقد سبق أن أدانت السلطة مرارًا خلال الأعوام الأخيرة عمليات من النوع الأخير، واعتبرت ذلك تهديدًا للمشروع الوطني الفلسطيني، كما أنها تعمل على وقف التحريض في وسائل الإعلام وفي المساجد. شعبنا إذن لا يقتل الأطفال، وإذا كانت العملية من تنفيذ فلسطيني، فهي ردة فعل من طرف شاب عادي لا أكثر، بينما يمعن الصهاينة في قتل أطفالنا واعتقالهم وتعذيبهم من دون رادع، لكنهم قوم يحسنون الصراخ واستعطاف العالم. [email protected]