يكاد فن الخط العربي أن يكون قاصرًا على الرجال، حيث لا تشير ذاكرة التاريخ إلى اسم فنانة برزت في هذا المجال الإبداعي، ولهذا فإن ظهور أي مبدعة في هذا المجال يعد علامة مضيئة تستحق الوقوف عندها وتأمل تجربتها، وقراءته. ولئن كان التخطيط المسبق، وتحديد الهدف ميزة عند أغلب المبدعين التشكيليين من الجنسين، إلاّ أن تجربة الفنانة بيان باربود مع الخط العربي تمشي بعكس هذا الاتجاه، ف“الصدفة” هي التي قادتها إلى عالم الخط العربي، في الوقت الذي كان تخطيطها منصبًا ومتجهًا ناحية الفن التشكيلي بفروعه المختلفة الأخرى. بيان رسمت صورة بدايتها مع الخط العربي بقولها: بدايتي مع فن الخط كانت مجرد صدفة؛ إذ لم تكن لدي أي علاقة أو ممارسات لهذا الفن، وكل ما في الأمر أني قررت التسجيل بصيف 1429ه بدورة الخط العربي للاستفادة العامة التي أقيمت ببيت الفنانين التشكيليين بإشرف معلمي الفاضل الخطاط إبراهيم العرافي، الذي أوصل لنا الصورة الجميلة عن هذا الفن الأصيل، الذي يمنح الإنسان شرف ممارسته؛ كيف لا والخطّاط يكتب به أشرف الكلام وأرقى المعاني، وقد تكاملت لي الظروف التي تتيح تعلم الخط من وجود مكان للتعلم ووجود الأستاذ وتوفر الأدوات.. ومن هنا انطلقت وكُتب لي الاستمرار ولله الحمد، وخلال مسيرتي مارست معظم أنواع الخطوط الديواني والجلي والرقعة والإجازة، ووجدت فيَّ ميلاً كثيرًا لخط الثلث والنسخ.. وعمومًا فقد أعطاني فن الخط مفاهيم قيمية وجمالية جديدة فبقدر تعلق الإنسان بجماليات مرتبطة بفضائل بقدر ما يتأثر بها وكم أؤمن بهذه العبارة “الخط يهذب خلق الإنسان”، فقد أعطاني الخط فهم أعمق لروعة وشرف الحرف العربي ومكانته.. كما أتاح لي تجارب جديدة كتعليمه للطالبات بالجامعة. ومن خلال تجربتي أدركت أن الخط العربي ليس موهبة فقط، فهو بحق يحتاج لتعلم؛ ففن الخط العربي يحتوي على العديد من الأسرار والقواعد التي تحتاج إلى دراسة وممارسة؛ لهذا فهو دراسة وموهبة معًا؛ إلا أن الموهوبة والاستعداد الفطري تجعل ممن يمتلكها ينبغ في هذا المجال، ويصل لمستويات راقية قد لا يصل إليها من لا يملك هذه الموهبة. مشاركات وإسهامات وتمضي بيان في حديثها مشيرة إلى أبرز مشاركاتها وإسهاماتها في عالم الخط العربي قائلة: شاركت في عدة معارض داخلية، كما كانت لي مشاركة خارجية بالشارقة.. وأكرمني الله بأن قدمت دورة في مبادىء الخط العربي بجامعة الملك عبدالعزيز، وقدمت ورشة عمل للأطفال بمعرض “جدة الجدة”، بالرد سي مول، أيضًا شاركت في مسابقة الخط العربي الثانية عشرة وحزت على المستوى الثاني على المملكة، وشاركت أيضًا في مسابقة الخط العربي التي أقيمت بمركز تسامي وحزت فيها على المركز الثاني. تفوّق مُسبّب وتنفي بيان ما يشاع من تفوق الرجل على المرأة في مجال الخط العربي، بقولها: ليس الأمر تفوق بقدر ما هي ظروف تلعب دورها؛ فأنا أؤمن بأن الإنسان رجل أو مرأة طالما لديه الرغبة والعزيمة والهمة سيصل لما يريد، وأرى أن الرجل تقدم على المرأة في الخط العربي لعدة أسباب عامة يجب أن تتوفر للتلميذ سواء كان رجلاً أو امرأة كي يتعلم هذا الفن.. من أهم الأمور توفر الأستاذ، وهنا قد تدخل بعض الأعراف والتقاليد معيقة دخول المرأة لهذا المجال لعدم وجود من يدرسها من جنسها ناهيك عن أن السفر والتواصل مع كبار الخطاطين قد يصعب على المرأة.. ثانيًا تعلم فن الخط يحتاج لجهد وصبر قد يصل لسنوات وهنا أظن أن الرجل لديه القدرة على المواصلة والبحث أكثر من المرأة لسبب بسيط جدًّا وهو خلال هذه السنوات المرأة في الغالب ستشغل بما هو أعظم وهو تربية الناشئة.. رد الدَّين وتدين بيان بالفضل لمركز تسامي والخطاط سعود خان في صقل موهبتها، ويبرز ذلك في سياق قولها: مركز تسامي وبيت الفنانين سابقًا قبل ظهور مركز تسامي كان له دور كبير في إتاحة الاستمرارية في هذا المجال لنا، وأخص نحن الفتيات، بتهيئة المناخ للتتلمذ على يد خطاطين بارعين كالأستاذ إبراهيم العرافي والأستاذ سعود خان ونخبة رائعة من تلامذتهم.. فشكرًا جزيلاً لا توفي المركز وإدارته حقهم علينا، كما أن الأستاذ الفاضل سعود خان كان له فضل كبير وجهود حثيثة في مجال الخط وفي إدارة نادي الخط العربي بتوفير كل ما يحتاجه المتعلم من أدوات وأحبار، وهو مثال يحتذى به في النشاط ومجال تنفيد الأعمال الخطية.. أستاذ متعاون مع الجميع.. تعلمت وتعلم الجميع منه تنفيذ الأعمال بفن التذهيب وبالأحبارالملونة.. فجزاه الله عنا خير الجزاء. اتهام وارد وحول الاتهام الذي يطال البعض منهن والذي يشير إلى أن هناك من يقوم بإنجاز أعمالهن نيابة عنهن، تقول بيان: مجال الخط كغيره من المجالات قد توجد فيه بعض هذه الأمور السالبة والخاصة باتهامات البعض لفنانات يتركن لآخرين أن ينجزوا لهن أعمالهن ويكتفين فقط بتوقيع أسمائهن على أعمالن لم يقمن بها؛ ورغم كل ذلك فإني بحكم حداثة عهدي بهذا المجال وعدم وجود خطاطات بارزات إلى الآن في الساحة السعودية على الأقل فلا يمكنني الخوض بهذا الموضوع.. حروف بلا روح كذلك تناولت بيان في حديثها أثر استخدام الحاسب الآلي في الخط العربي عمومًا وفي أعمالها خاصة؛ حيث تقول تعد تقنية الحاسب إضافة مهمة وإتجاه جديد لفن الخط، وبالتالي إتاحة الفرصة أما الخطاط للخروج عن الأسلوب التقليدي، وهذا يحسب لفن الخط بوصفه فن مرن.. غير أن الحاسب الآلى ليس في مقدوره أن يلغي دور الخطاط خاصة في مجال تنفيد الأعمال، فمن تتعود عينه على رؤية خطوط الأساتذة بأيديهم الكريمة لن يرى ولن يشعر بأي جمال في خطوط الحاسب؛ فهي كما يصفها الكثير حروف بلا روح!! وأعود للقول إن الحاسب الآلي أضاف للخطاط وأتاح له الخروج عن الأسلوب التقليدي كما ذكرت مسبقًا، ومن هذه النظرة كانت لي محاولات بإخراج أعمال خطية عن طريق الحاسب الآلي بإضافة بعض المؤثرات، أيضًا خدمني الخط والحرف كثيرًا كعنصر جمالي في مجال التصميم الإعلاني.. بيان ختمت حديثها بالإشارة إلى أن حلمها وطموحها أن يمنّ الله عليها بشرف خط القرآن الكريم، مشيرة إلى أنها ستحاول بقدر استطاعتها إيصال الصورة الجميلة لهذا الفن الجميل والتعريف به.