معلوم أن اللغة العربية قديمة في الهند قِدم الدِّين الإسلامي، الذي وصل إليها مبكرًا، وانتشر نوره في كل أرجاء شبه القارة الهندية بطولها وعرضها. ومعلوم أنه حيث حل الإسلام تحل العربية، لذا ليس مستغربًا أبدًا أن يرجع تأريخ بعض المخطوطات العربية الموجودة في الهند حاليًّا إلى القرن الأول الهجري، وليس مستغربًَا كذلك أن تمثل المخطوطات العربية في الهند أربعين في المائة من مجموع المخطوطات النفيسة التي تمتلكها جمهورية الهند في الوقت الحاضر، والتي يصل مجموعها إلى مائة وخمسين ألف مخطوط، ما يعني أن المخطوطات العربية في الهند تزيد على خمسة وخمسين ألفًا. وقد بدأ الاهتمام بهذه المخطوطات متأخرًا إن جاز التعبير في الهند، وتحديدًا في القرن التاسع عشر، حين بدأ الاهتمام بحفظ المخطوطات، وتسجيلها على يد الباحثين المسلمين الهنود، وصُنِّف بعضها في ذلك الوقت تصنيفًا بدائيًّا، وزاد الاهتمام بها شيئًا فشيئًا حتى قام بعض العلماء الهنود بتحقيق مجموعة من المخطوطات العربية، ومن أهم الجهود في هذا الشأن ما قامت به دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد، ومكتبة رضا، وغيرهما من المراكز والمؤسسات الثقافية الهندية المعروفة، ومنها بالإضافة إلى هاتين المؤسستين المعروفتين الجامعة العثمانية في حيدر أباد، التي تملك ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمانية عشر مخطوطًا، منها ألف وستمائة وثلاثة وسبعون مخطوطًا عربيًّا. ومن المكتبات الخاصة التي تملك آلاف المخطوطات العربية المكتبة السعيدية التي تملك ما يزيد عن ثلاثة آلاف مخطوط، معظمها مخطوطات عربية. وممّا يُؤسف له أن مخطوطات هذه المكتبة لم تصوّر رغم أنها تضم مخطوطات نادرة ومهمة للغاية، منها: تاريخ دمشق لابن عساكر على سبيل المثال. وفي مدينة بانتا بولاية بيهار يقع أهم مركز للمخطوطات العربية، وهي مكتبة (خدابخش) الشرقية العامة التي تضم أكثر من عشرين ألف مخطوطة، منها قرابة تسعة آلاف مخطوط عربي. أمّا مدينة دلهي التي كانت عاصمة المسلمين الأوائل منذ عام 602ه، فبها الكثير من الآثار العلمية الإسلامية التي تنتشر في المكتبات والجامعات والمساجد والمراكز الثقافية، مثل مكتبة المجلس الهندي للعلاقات الثقافية، ومكتبة الأرشيف الوطني، وجامعة دلهي، ومكتبة المتحف الوطني، ومكتبة زاكر حسين وسواها. وكما ذكرنا فإن المخطوطات التي تضمها هذه المراكز تحتاج إلى الكثير من العناية والخدمة. أمّا الطباعة العربية في الهند فهي عريقة عراقة الفتح الإسلامي فيها، وبدأت في عهود متقدمة. ففي عام 1824ه أسس (المنشي عبدالله) مطبعة عربية في كلكتا بالهند، تولّت طباعة المصحف الشريف بالحروف العربية، وأُلحق بين سطور الآيات ترجمة لمعانيها باللغة الهندية، ويرتبط تأريخ طباعة المصاحف في الهند ارتباطًا عضويًّا بنمو حركة الطباعة العربية فيها، ومن أهم وأبرز مَن توسعوا في الطباعة العربية في الهند في زمن مبكر الأمير الهندي المسلم نواب صديق حسن خان، الذي أنفق الأموال الطائلة على شراء المخطوطات العربية النادرة من جميع أقطار العالم الإسلامي، ثم طبع الكثير منها في الهند في الفترة ما بين عامي 1860م و1890م، وممّا يُحمد له أنه وزّع هذه المطبوعات القيّمة في كل أنحاء العالم الإسلامي دون أي مقابل، وممّا يُحمد له كذلك أنه أسس أربع مطابع عربية شهيرة هي: المطبع السكندري، المطبع الشاه جهاني، المطبع السلطاني، المطبع الصديقي. وكان أول كتاب يُصدره: فتح الباري في شرح صحيح البخاري، تلاه تفسير ابن كثير، ونيل الأوطار للشوكاني، ومن عجب أن بعض المطابع النصرانية في الهند كانت تنشر بعض المخطوطات الإسلامية، كما ذكرت بعض المصادر منها مطبعة (بَبْتِست مِشِنْ برسّ) التي أسستها شركة الهند الشرقية، وكان من مطبوعاتها (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني سنة 1818م. ومن المؤلفات التي اهتمت بالطباعة العربية في الهند: (معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية – الباكستانية) الذي وضعه أحمد خان، وصدر ضمن سلسلة مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية سنة 1421ه - 2000م، وقد اقتصر المؤلف في هذا المعجم على الكتب العربية التي طبعت في الهند، ووضع بطاقات فهرسة لكل كتاب مطبوع تضم العنوان والمؤلف والمحقق أو الشارح، ومضمون الكتاب ومكان الطباعة وتأريخها، واسم المطبعة أو الناشر، وعدد الصفحات، وكيفية طباعته بالحجر أو الحروف، ورتب الكتب هجائيًّا باسم المؤلف، أو بعنوان الكتاب إن لم يُعرف المؤلف. وضم المعجم كشافًا بعناوين المطبوعات، وثبتًا للمراجع ضم 127 مصدرًا ومرجعًا. وقد عرّف المؤلف بعدد من العلماء العظام الذين خدموا العربية في الهند من أمثال المولوي عبدالرحيم الصفي بوري، وأحمد بن محمد الشيرازي، والمولوي تلطف حسين، والمولوي أبي عبدالله محمد السوري، وغيرهم من العلماء ومحققي كتب التراث. وسوى هذه الجهود المباركة من قِبل علماء الهند في خدمة العربية وتراثها الخالد، جهود أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها في هذه البلاد التي وصل إليها الإسلام سنة 92ه، وانتشر عن طريق الحكام المسلمين إلى سائر مناطقها الشاسعة.. وقد تعرّف جمهور المثقفين في المملكة على ذلك في معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام. ولقد أحسنت وزارة الثقافة والإعلام في تخيّر الدولة ضيف الشرف لهذا العام: الهند، كعادتها في كل عام، وينسجم ذلك انسجامًا تامًّا مع المشروع الحضاري والثقافي الكبير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- الذي نعيش فرحة عودته سالمًا معافى إلى أرض الوطن، ذلك المشروع الداعي إلى حوار وتقارب الثقافات والحضارات وأصحاب الأديان، والهند بلد صديق قديمًا وحديثًا للمملكة العربية السعودية، ناهيك عن عراقة الإسلام وتجذره في الهند كما أسلفنا. قدم علماء الهند المسلمون معلومات قيّمة لجمهور المعرض في الندوات المميزة التي أقيمت في البرنامج الثقافي للمعرض: الصلات الثقافية الهندية السعودية - الصحافة والمطبوعات العربية في الهند - ملامح من الثقافة الهندية - الإسهام الهندي في الفنون والفكر والثقافة الإسلامية، وبهروا الجمهور بلغتهم العربية الفصيحة الصحيحة. وتقديم هذه الندوات المتميزة الفريدة قيمة مضافة لنجاحات هذا المعرض لهذا العام.