أنا على ثقة بأن كل من يقرأ عنوان هذا المقال يتذكر تلك النكتة أوالطرفة التي تُدوولت بين الناس في اليومين السابقين من أن بعثة الإعلام السوداني تصل أخيرًا إلى مصر لتغطية المظاهرات المطالبة بإسقاط نظام مبارك، الموضوع ليس كذلك وكان من لا بد للعودة إلى تلك الفتوى لمناقشة قضية اليوم، فتوى إرضاع الكبير مرت بمراحل وأصابت العدوى كثيرا من الدول الإسلامية، ففي مصر على سبيل المثال صدرت فتوى عن رئيس قسم الحديث في جامعة الأزهر د. عزت عطية تقوم على إرضاع الموظفة لزميلها في العمل كي يمكنها من الخلوة معه وكانت تلك الفتوى سببًا في إقالة صاحبها من منصبه، وفي السعودية أكد المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبدالمحسن العبيكان جواز إرضاع الكبير باستثناء السائقين والخدم والحمد لله مازال في منصبه، وأيد الشيخ صالح السدلان تلك الفتوى وأسندها إلى السنة النبوية في حديث سالم مولى أبي حذيفة، وأن الإمام ابن عبدالبر في كتاب “التمهيد” تحدث عن الكيفية التي يتم فيها إرضاع الكبير، وذلك بأن تحلب المرأة في إناء ثم يشربه الكبير المراد إرضاعه، واستدل الحافظ ابن حجر في “الفتح” على أن التغذية بلبن المرضعة يحّرِم سواء كان بالشرب أم بالأكل أو بأي صفة كان حتى الوجور والسعوط والثرد والطبخ وغير ذلك إذا وقع ذلك بالشرط المذكور من العدد، كما رأينا أثر تلك الفتاوى على سلوك بعض الشباب وتأثرهما بها وكان من ذلك ما شاهدناه على اليوتيوب والذي يُظهر شابا سعوديا -يبدو أنه متأثر بتلك الفتوى- يطلب من مقدمة برنامج تلفزيوني يبث على الهواء مباشرة أن ترضعه، تذكرت ذلك وأنا أقرأ خبرًا في إحدى الصحف عن تقديم مطعم (كوفنت جاردن) في لندن لزبائنه نوعًا جديدًا من المثلجات (ice cream) أطلق عليه اسم «بايبي غاغا» مصنوعًا من حليب أمهات، حيث يحصل المطعم على الحليب من الأم “الحلوبة” مقابل 15 جنيها استرلينيا لكل ربع لتر من حليبها، ذلك الخبر وضعني أمام عدة تساؤلات منطقية ومشروعة في نفس الوقت أضعها في عهدة مشايخ الإرضاع لكي أستوضح منهم عن رأيهم في عموم المنتجات والتي تعتمد حليب الأم كأحد مكوناتها، وما هو الحكم الشرعي فيها، وهل أكلها حلال، أم أن هناك ثمة إثما أو شبهة من تعاطيها، وما هو القدر أو الجرعة المحرِّمة، وهل من الواجب على كل من سبق أن زار ذلك المطعم أن يطلب أسماء وهويات كل من أكل بها خصوصًا عند إقدامه على الزواج، وإذا ما تذوق من تلك المثلجات هل يصبح أخًا لمن سبقوه أو سيصبح كذلك لمن لحقوا به، وكيف لو أكل منها زوجان هل يُفرق بينهما، ماذا لو وزعتها إحدى الشركات على موظفيها وأكلها من الجنسين هل تنتهي بذلك قضية الخلوة والاختلاط، أسئلة وأسئلة ودوامة لا تنتهي بسبب فتوى هنا أو هناك لا يلقي قائلها لها بالًا قد يكون لها خصوصية معينة لكن التعميم يُفقدها الهدف التي تسمو إليه فتجعل منا أضحوكة ومجالًا للسخرية بين الأمم. فاكس 6602228 02 dr.mahmoud @batterjee.com