أبدأ حديثي معكم دون شعارات.. فما حدث قبل بضعة أيام، كما جرى قبل بضعة شهور من جرّاء الأمطار، وإن هي من جرّاء البُنى التحتية والسدود، فتلك مأساة لا تقدر أبدًا، صمت بدا لكلماتي، فليس هناك من كلام يُقال. يعجز لساني، فالكارثة أكبر بكثير من كلام قد يُقال، فلا تعويض يحل، أو يوازي للمأساة. هنا أقول لنصد عن القِيل والقال، عن الكلمات المنمّقة، المفروض ومَن المُلام؟ خطأ مَن؟ وأين الصواب؟ لندع كل هذا جانبًا، ونضعه بين يدي ولي الأمر يأخذ ويقوم بما يراه صوابًا، يُلزم مَن يلزم، ويُحاسب مَن وجب حسابه. لنلتفت نحن لمسؤوليتنا كل من موقعه، جنبًا إلى جنب ولي الأمر، وأمانة بلديتنا، نعمل على انصهار الخطأ، فيذوب وينجلي؛ لنقوم بصنع الصواب، لنستبدل من مواقع أرض الألم والحزن إلى مواقع (الحلم والآمال). قال تعالى: (إنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لمّا سأله رجل: يا نبي الله: أرأيت إن قامت علينا أولياء أمر يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولّوا)، وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.. الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيّده ومسؤول عن رعيته). لذا لنكن يدًا واحدة، فاليد الواحدة لا تصفق. لنضع يدنا بيد أمانة بلديتنا، وننجز من مواقع الآلام، فننهض لتلد مواقع الحلم والآمال، ونقطع الشك باليقين من عدم تكرار هذه المأساة. كما يُقال خطة طويلة الأمد، وأخرى قصيرة الأمد: لا يهم، فالأهم أن نبدأ طويلة الأمد.. (نعم) فلابد من البداية في وقت ما، فليكن اليوم ليصبح يومًا بعد يوم الخطة قصيرة الأمد، ويومًا بعد يوم ينجز الحل، وندفن مواقع الكوارث، ونقول رحمة الله عليها تنذكر ولا تنعاد، لنتعظ منها، ونعمل على أن يكون كل ما سنبدأ به أساسًا متينًا؛ ليدوم لنا قدر حاجتنا له، فالأساس المتين آفاق جديدة، والأساس الغائب تراجع وألم، فليس من نهضة دون أساس نتمسك به، وننخرط معه، فنتلاحم، فالأحب إلى الله مَن نفع واستنفع. فبداية وليست البداية، لأقوم بأول خطوة، ربما الذي سأقترحه يكون حلاً قصير الأمد، بل لا أمد، لأنه لا يحتاج حقيقة لشيء من دراسة، أو ما شابه بحسب معرفتي المتواضعة (لِمَ لا يُرفع الجانب المنخفض من الشارع؛ ليصبح في مستوى باقي الطريق (بالأسفلت)، هكذا نكون ساوينا الطريق بأكمله، ولم ندع فجوة تصب بها الأمطار، وتتجمع وتعلو لتغرق مَن عليها من بشر وأرزاق. يستوقفني هنا سؤال يطرح نفسه: كيف لسد أن يُقفل، وتُعطى تصاريح بناء عليه، أي فوق السد؟ لم أسمع بهذا من قبل، أعتقد أن هذا غير صحي قبل أن يكون غير قانوني، فعندما تُسد السدود لا يكون هناك منفذ، أو مخرج لمياه الأمطار بالتحديد كي تجري به، ولا تركد في الأرض والطرقات. تخيّل معي طريقًا طويلاً على امتداد نظرك، تمشي عليها لتصل في وسط الطريق فينحدر بك، ثم يرتفع وتعود للمشي على أرض مسطحة مستوية، ونستمر في المشي، وتبقى الفجوات واحدة تلو الأخرى، فلا أدري إن كان هذا، كما لست أزعم هنا وأقول: إنه هو الحل، مع العلم الحل الجذري هو الخطة الطويلة الأمد، لا شك بهذا، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يكون هناك من حل قصير الأمد، ربما ما اقترحت حلاً لا يستدعي أي مبالغة به، أهناك حل أقصر من قصير الأمد؟ إن صح ما تقدمت به، فلن يكون اليوم لحظتها إلاّ القيام للعمل عليه، فليس هناك ما يخطط له فقط توزيع المهام على ذوي الخبرة، إذًا لنحلّق جميعًا مولين وجوهنا نحو القبلة ليوفقنا الله سبحانه وتعالى، فنخطو على مواقع الألم، ونخرج عليها بمولود اسمه (أرض الأمان)، إلى ذاك الحين لنعمل من قلب خصنا به الرحمن دونًا عن جميع الكائنات، إلى أن نلتقي لنحتفل مع أمانة بلديتنا، إلى ذاك الحين القريب -بإذن الله- استودعتكم عند الله. إلى اللقاء.