الأزمات لها جوانب سلبية نفسية واجتماعية واقتصادية عدة، ولكنها لا تخلو من الجوانب الايجابية ولعل من جوانبها الإيجابية أن ننظر بعمق إلى دواخلنا ونعرف أنفسنا أكثر في الأزمات بل ونتعرف إلى ملامح مجتمعنا من الداخل وتركيبته النفسية وخارطة تضاريسه، وهذه كارثة جدة تتكرر بل وتتفاقم فيصدر التوجيه السامي الكريم من خادم الحرمين الشريفين ببذل كل الإمكانيات لمعالجة الموضوع وإزالة آثار السيول وتضميد الجراح وتجفيف الدموع، فجاءت البشارة للمواطنين بكل خير وجاء النذير لكل مقصّر بسيل جارف من العقوبات تشفي صدور المتضررين، وشاهدنا في جانب آخر المواطنين المتطوعين النبلاء يتجلّون في أروع صور البذل والعطاء ويرسمون أجمل صور الوفاء للوطن ولجدة فكانوا هم أجمل بجدة وهي أجمل بهم شباب رائع من الجنسين ساعد وبذل ونزل في الفيضان بنفسه وبسيارته وجازفوا بأرواحهم وغامروا بحياتهم وأنقذوا بسياراتهم وساهموا في تسيير الحركة المرورية في الاختناقات التي حدثت، حملات مختلفة انطلقت من مختلف الجهات والفئات والقطاعات، إضافة إلى حملات تطوعية كثيرة لمراكز الأحياء ومؤسسات المجتمع المدني قدموا المعونات من مياه وغذاء للمتطوعين والمحتجزين في سياراتهم ودورهم، وبعد انحسار الأمطار وتجفيف البرك والمستنقعات ها هم شبابنا الأبطال يساهمون في الإغاثة وتوزيع المؤن ومتابعة المحتاجين وتوزيع اللوازم الضرورية عليهم يقومون بذلك بكل أريحية ونخوة وشهامة يذكرونا بشباب الأحياء القديمة حيث اشتهروا (بالفزعة) في النوائب والشهامة في الملمات والنخوة في المناسبات الاجتماعية، سمعنا وشاهدنا بأم أعيننا ورأينا في اليوتيوب والشبكات الاجتماعية الأخرى على الشبكة العنكبوتية الكثير من الملاحم البطولية لشبابنا الرائع من الجنسين وخاصة في لحظات الصدمة الأولى لكارثة الأربعاء الأسود ومع كل هذه الدروس والصور البديعة لشبابنا الذي أثبت أنه معدن أصيل وعلى قدر المسؤولية وموضع ثقتنا، تلك صور جميلة لن تمحى من ذاكرتنا ولكن ونحن في مواقف تاريخية لكارثة تاريخية لابد من المكاشفة والمصارحة لمعالجة السلبيات التي أيضاً تجلت في الكارثة فرأينا وسمعنا (البعض) يتهور في قيادة السيارات في وسط معمعمة السيول في الشوارع غير متحملين للمسؤولية وسمعنا عن بعض مصاصي الدماء في المستشفيات الذين رفضوا علاج مصابي السيول في لحظاته الأولى إلا بدفع رسوم العلاج وبعض أصحاب الفنادق والشقق المفروشة رفضوا إيواء اللاجئين الناجين بحياتهم من السيول الدافقة ما لم يدفعوا مقدماً وأنى لهم النقود التي فقدوها في خضم السيول الجارفة بل وسمعنا من مصادر ثقة أن (بعض) الشباب المستهتر لم يتورع عن معاكسة الفتيات التائهات في السيول، أرجو كما أشدنا بشبابنا المتطوع الرائع الشباب الوطني المليء حماسة وأريحية ونفوس تواقة للخير أن ننتبه لما لاحظناه من الشباب الآخر أو أصحاب المستشفيات أو الشقق المفروشة أو الفنادق الذين يشبهون تجار الحروب فنقول عنهم (تجار السيول) لننتبه لهم حتى لا تتكرر تصرفاتهم البشعة في أزمات أخرى ويشوهوا الصورة بل الصور الجميلة التي رسمها معظم شبابنا الرائع جداً.. حفظ الله الجميع من كل مكروه وسوء. * رسالة: كارثة جدة تؤكد الحاجة لمزيد من تضافر الجهود لوضع الآليات وتحديد الأساليب المنهجية المؤسسية لتعزيز الوعي بأهمية العمل التطوعي ليصبح واقعاً معاشاً وثقافة مجتمع أكثر من كونها جهود وقتية.