لا يحتاج الكلام إلى جهد في أكثر الأحيان، لأنه نفس يخرج فيتلقفه الأثير عبر طبقاته غير المرئية، وينتهي كما ينتهي الهواء العابر في أي سبيل. والوعود قليلة كانت أم كثيرة هي من جنس الكلام، حديث عن أمنيات بمستقبل يستطيع المتحدث أن يرسم من خياله ما شاء كيف شاء، ثم من الذي يحاسب من بعد زمان طال أم قصر ؟! . يحلو للبعض التذكير بوعود حاضرة أو سابقة، وربما يشيدون منها أحلاماً أو ربما شغلوا بها بعض الحالمين لأنها أكثر ضجيجاً وأشد جذباً للانتباه، وأبلغ في السيطرة على رغبات النفوس. وحدهم العاملون مشغولون بما هم فيه، لا يحبون الكلام وإن كانوا يجيدونه، ولا يستحسنون نشر الأحلام وإن كانوا يتقنون تحويلها إلى حقائق تتحرك بين الناس. وحتى حين تصبح الأحلام واقعاً لا يحب كثيرون ممن بنوها الحديث عنها تمجيداً وتعظيماً، بل الكشف عما يكتنفها من عيوب وخلل وقصور لأن ذلك يسهم في تطويرها أو تلافي جوانب القصور في أعمال جديدة تستحق أن تكون أفضل وأجمل، فالحياة تنطلق إلى الأمام ولا تسير خطوة واحدة إلى الوراء. النقد يبني ويصحح، وكثيراً ما يلجأ إليه القائمون على المشروعات أثناء التخطيط، لأنه كثيراً ما يوفر أو يحسن من المشروعات بنسبة ربما تصل إلى (30%) من القيمة الإجمالية للمشروع، هذا قبل البدء في التنفيذ فيما يعرف «بالهندسة القيمية» . البناء لا يكون إلا بالفعل أما القول فقد لا يحقق قيمة مضافة حتى وإن بلغت مفرداته عنان السماء، مما ينبغي المحاسبة عليه لأنه من أسرار تعطيل الحياة عن وظيفتها. لعل هناك من يتفرغ للعمل ويتوقف عن الكلام.