مررتُ عليه، فإذا بالدمع يترقرق في عينيه، وملامح وجهه تتحدّث عن معاناة داخل قلبه. حجارة الصمت تتراكم في زوايا روحه, خيوط الفجر تتشابك حوله بألم. تتراقص ذئاب الهم والوحدة حوله, بعد أن دبّت غيمة سوداء حالكة, حالت بينه وبين شعاع النور الذي كان يداعب كيانه صباح مساء. إنها (غيمة مرض أمه)، وهل هناك أصعب من مرض الأم؟! (أعرفه.. كان سبّاقًا إلى عمل الخير, لم يردْ لمحتاجٍ حاجة، ولا لمريض إعانة).. يستنجدُ بأهل الخير، ويرسل لهم كل ما يقع تحت يده من معضلة لبشر. حمل أمه، وأخذ يطرق عتبات المستشفيات لعلّ وعسى.. عاد بتقارير, تنوء بحملها الجبال، أشعرته بأن حالة أمه تحتاج إلى إجراء عملية. لكن نسبة نجاحها لا تتعدى10%! أخذ القلقُ والوجلُ والخوفُ يتلاعبون به بين مد وجزر.. يجلجلون الألم بداخله، ويبدأ خوفه عليها من يوم قادم.. يناظر جسدها وهو يذبل يومًا بعد يوم.. يتمعّن في خدّيها وقد عصفت بهما تجاعيد الزمان. لم أكن أعرف حالة أمه (والله شهيد على ما أقول).. لكنّ قدري وقدره، أن أتته مكالمة من شخص ما, يريد أن يطمئن عن حالتها، وماذا عمل؟! لم أسمع منه إلاّ قوله: (التقارير الواردة من المستشفيات خارج المملكة تقول: بالإمكان إجراء العملية لأمي, وأن نسبة نجاحها -بإذن الله- تزيد عن 90%، لكن التكلفة عالية جدًّا، تقصم ظهر البعير. ارتعشت فرائصُ قلمي هنا، وراح يدمع بمعاناة صاحبي.. لم يعلم –والله- أني سأكتب عن معاناته, ولربما غضب مني, لمعرفتي به، فهو من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.. يحب أن يقضي حوائج الناس في الكتمان.. ولا يحب أن يعرض معاناته على أحد. لكنني هنا سأحاول أن أروي أوراقًا أُصيبت بالذبول.. بعد فقدنا معالي الشيخ أحمد صلاح جمجوم -عليه رحمة الله- الذي كان سبّاقًا لمثل هذه الأمور.. فكان لا يهدأ له بال، ولا يغمض له جفن إلاّ بعد أن يعرف ماذا تم في أي موضوع يتبناه. تذكرتُه وتمنيتُ أن يكون بيننا؛ لأعرض عليه معاناة صاحبي.. لكنّ الأمل في الله كبير، وأهل الخير في بلادنا كثيرون.. أستسمحك يا صاحبي عذرًا بنشر معاناتك هنا، بعد أن اقتحمت ساحة كتمان قلبك.. أعدك.. سيظل أمرك هذا سرًّا، ولن يطّلع عليه بشر..! فمَن ينقذ صاحبي، ويعلق الجرس؟!.. وسامحووونا. فاكس: 6752388/02/ [email protected]