وزير الخارجية ونظيره الهندي يرأسان الاجتماع الثاني للجنة الوزارية المعنية بشؤون السياسة والأمن والشؤون الثقافية والاجتماعية    جيش الاحتلال يهجر 6 مناطق في ضاحية بيروت    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    كتب و روايات في معرض الشارقة تحولت لأفلام عالمية    النقل تُوقف 3 تطبيقات عن مزاولتها لأنشطة النقل    رئيس جمهورية تشاد يصل إلى المدينة المنورة    في 100 لقاء ثنائي.. قمة الرياض للتقنية الطبية تبحث توفير فرص ذهبية للمستثمرين    الدولار يحافظ على استقراره قرب أعلى مستوى في ستة أشهر ونصف    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    الكويت تدين تصريحات وزير حكومة الاحتلال بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    الأرصاد: الفرصة مهيأة لتكوّن السحب الرعدية الممطرة    الأمم المتحدة : ندعم جهود وقف إطلاق النار في فلسطين ولبنان وكافة مناطق النزاع    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في قطاع غزة    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنيات تقنية تبئير النص في كتاب: «سيدة المرايا» ل: (خالد محمد الخضري)
نشر في المدينة يوم 26 - 01 - 2011

لا أريد أن أنسب نصوص هذا الكتاب سيدة المرايا إلى جنس أدبي معين! فالتجنيس ليست مسألة مهمة هنا؛ لأن الكاتب لم يرد ذلك حسب غلاف الكتاب الذي اكتفى بوضع كلمة: “نصوص” تحت العنوان؛ ولأن العصر عصر الحرية تود أن تمس بسحرها كل شيء، فإن هذه النصوص نالت منها شيئًا كثيرًا أو أن الحرية نالت منها؛ لا أريد أن أضع هذه النصوص المفتوحة بشرط أو بشروط معينة فهي تستخدم آليات تعبير خاصة بها وتستخدم لغتها من أجل التوصيل، وهذا لا يعني مصادرة الأنواع الأدبية الضاربة الجذور والتي تصيبها متغيرات جذرية أيضًا، ولا يعني أيضًا مصادرة مثل هذه التجارب التي تتخطى المحددات، في هذا العصر الذي يملك الإنسان شرط اختياره، وقد اختارت نصوص [سيدة المرايا] هذا الشرط، ونحن سوف ننظر إليها ونقرؤها، ونتفحصها داخل اختيارها، باعتبار أن نصوص الأنواع الأدبية جميعًا تسير بقوة نحو الاستسقاء وتناول آليات بعضها بعضًا بما يحقق متعة النص، بل كادت تكون عصية على تحديد ظواهرها وهي تتمرد على نفسها باستمرار، على مستوى الشكل خاصة، وراحت تتشظى من نفسها وبنفسها، حتى مثل التجنيس المكتوب على أغلفة الكتب قضية مشكلة بعد إعمال الذهن في صفحاتها.
والأمر الثاني يتوقع أن تسير النصوص الأدبية كلها هذا القرن نحو النصوص المفتوحة بإرادتنا أو بغيرها بعد كشف طبقة القناع المموه من خلال حركة مرنة ثرية بين الحدود في عصر مفتوح على كل الاحتمالات.
قراءة في نصوص سيدة المرايا
بعد القراءة النقدية تبين أن النصوص تستبد بها “موضوعة” أو “ثيمة” واحدة، وكأن هذه النصوص تنويعات على تجربة واحدة، كلمة لم تستنفد رغبتها في التعبير والتأمل، ثمة (هو) وثمة (هي) وما يصل إلينا أكثر هو انغمار صاحب المعاناة حتى النبض الأخير في عشقه. ثمة نص واحد ينزوي معتزلًا في سيدة المرايا يتنفس برمته، يرغب أن يفلسف تجربة الحياة الإنسانية بدفئها ومرارتها في مظهرها العشقي هو “تفاحة الصباح” وربط التفاحة ب “الصباح” له مغزاه لدى خالد الخضري؛ لأن هذه اللفظة لها تداعياتها ودلالاتها ومجاوراتها التي لا تنتهي.
وأرى أن جوهر تجربة الفن في (سيدة المرايا) برزت في نصوص ثلاثة هي: [يا وجه الصباح كم أكرهك - ص13]، و: (الشفق والبحر عاشقان ثملان - ص 39) و: (فقط - أنت لا شيء قبلك، لا شيء بعدك - ص 59)
وتتوجه القراءة إلى مقاربة النص الأول السالف.
بنيات تقنيات تبئير النص:
آلية أداء التعبير في هذا النص: (يا وجه الصباح كم أكرهك)، والنصان السابقان تحركهما (تقنية تبئير النص) التي تنطوي على بنيات متعددة، كل بنية تفرز دورها في التبئير والسير بالحركة الدرامية إلى ذروتها الدائرية.
ويعمل النص على قبض الحركة الداخلية في انسياقها التأملي والشعوري في مُلْتَهَبِ طريقها إلى ذروة توترها الصاعد، حيث يمتزج في هذه الحركة: الإنساني والفني والجمالي، ويتم شحنها بأدوات عدة تبرز خصوصية تجربة هذه الكتابة المنطلقة في نصوصها المفتوحة.
بنية التبئير بالمبادلة وتكرار النسق النحوي:
تتماهى في بداية النص اللحظة النصية في اللحظة الإنسانية، وتتوهج اللغة المتضادة، وهي تندرج في احتدام الحركة الإنسانية التي فجرت حركة النص الأولى في المفتتح بغياب المنتظرة التي قد تعود أو لا تعود.. إن المفتح نافذة على الزمن المتداخل المطلق الذي لم يعد ينبثق منه بصيص.. هنا دخول المعاناة ووعيها على أنها إشكالية ليس لها حل:
أدرك أنك هناك بعيدة
لم يعد بإمكانك العودة
ولم يعد بوسعي لملمة نثارك
استخدم النص فعل (أدرك) ليحدق في مشكلته التي راحت تؤرقه وتضع المتلقي في مفصل المعاناة الأول بجملتين منفيتين (لم يعد.. ولم يعد) ليؤكد المعاناة، وقد جاء النسق النحوي في الجمل مشابهًا، وغلب على النسق (الفعل - الفاعل - المفعول به، وبعض الاستكمالات أو التوابع)، ليرى أطراف هذه المعاناة بأسلوب المبادلة، فالفاعل يكون أحيانًا (صاحب النص: (أدرك) يتبادل مع التي غدت بعيدة والتي لم يعد باستطاعتها العودة لأسباب لا ندريها (لم يعد بإمكانك العودة) هل هو البعد؟! لكن جملة كلٍ من المقطع الأول والأخير تدل على أن شيئًا فتت وجودها في مكان لقائهما داخل وخارج صاحب المعاناة، وغدت الذكرى شيئًا متشظيًا لا يمكن جمعه أو عودته إهابًا أوليًا بكرًا. ونتساءل عند قراءة هذا المقطع (ولم يعد بوسعي لملمة تثارك) هل يشي برغبة البعيدة في العودة؟ وهل إمكان العودة غدا مستحيلًا بالنسبة لصاحب المعاناة أو بالنسبة إلى كليهما معًا؟ (وهل حائل يتركز في صاحب المعاناة أو بالنسبة إلى كليهما معًا).
إن الصياغة اللغوية في المقطع الأول خلقت كل هذا التشكك وولدت جدل المعاناة في هذا التبكيت الذي سرى في مكامنه إيقاع خفي من غناء النفس وحزنها ووعيها للمشكلة وانتفاء حلها داخل مقولة: إن الأشياء تذهب كي لا تعود، وإن هناك أسبابًا لصحة هذه المقولة: يعمل المقطع على فتح أعيننا على الأخذ بهذه الحركة الدرامية إلى منتهاها ثم الدورة معها من جديد ولقد أعان (حرف العين) الذي تردد مرة واحدة في الجملة الأولى (بعيدة) ومرتين في كل من الجملتين اللتين وليتهما (يَعُد - العودة / بَعُد - بوسعي) على بث نغمة منافي النفس في اللوبان والإحساس بالبعد، وتعلق اللحظة الممتدة، وجمر الاحتراق بما جرى ويجري داخل هذا التأمل المتأني المنقذ الذي لا يحب الصراخ، إن تكرار حرف العين، وتكرار النسق النحوي، وتكرار النفي بعد جملة الإثبات، والمبادلة بين الطرفين، شحن النص بنغمة دافئة ترقرقت دون تكلف، مما يجعلنا نفكر في أن آلية التعبير اللغوي تقف في الصدارة في التأثير الذي يدفع إلى متعة النص.
في المقاطع التالية من نص: “يا وجه الصباح كم أكرهك”
تتراكب تقنيات تبئير النص في تنويعات عدة ترقى إلى كتابة إبداعية، تدعو إلى قراءة إبداعية.
ففي المقطع الثاني يلجأ إلى لغة مشهدية ذات أداة تصويرية:
أقف وحيدًا في السراب
أرشف رحيق اللحظة الذابلة
والمشرفة على الموت
بَعْدَكِ
ظللت أزرع الورود في حقولك
قبل أن تجف ينابيعها
وُبَعْدَكِ
قاتل لتلك الورود
تتميز اللغة المشهدية في المقطع الثاني (بالانزياح) و(الاستدارة) معًا، مما جعل النص يبث من أوله إلى آخره بثًا واحدًا، فالدلالات الانزياحية تتجاذب متمازجة الظلال في بنية دائرية، وهذا هو مدار النص كله، حيث البنية الدائرية تتكون من مقاطع، كل مقطع مثل لغته يستدير حول ذاته من جهة، ويفتح أبواب حمولاته الدلالية وانزياحاته على المقاطع كلها قبل وبعد، ويتميز كل مقطع ببنية نسقية متغايرة، قد يكون فيها استسقاءات، لكنه ينطوي في تركيبته الإبداعية على نسقه الخاص الذي يقوي تبئير النص في سياق تداعيات رؤيته التي تنبري لنا في حس إنساني متدفق يعمق صورة تجربته وأبعادها في دواخلنا وقد استطاع النص بذلك أن يقوى توتر بث حركته الدرامية فينا وفيه باتجاه الذروة على مستوى التركيبة النسقية ووحدة دلالة النص المركزية.
بدأ المقطع الثاني بوقفة شهادة: (أقف وحيدًا في السراب) إن حركة النص لا ترى السراب الذي يمكن أن يضيع فيه بل تفرزه ضائقًا مستاءً لائبًا في السراب، أي طريق يسلكه بعد هذا الضياع؟ وهذا متصل بالمقطع الأول: (ولم يعد بوسعي لملمة نثارك). بعد الجملة الأولى التي تطل بنا على المشهد ترد جملتان ثم لفظة: (بعدك) ثم جملتان ثم لفظة (بُعدك) مما يقوي في “الجناس” كمون التضاد والصراع وتوتر المعاناة التي تلتهب شيئًا فشيئًا بسياط الرؤية في مظاهر وجوده، ثم تغلق دائرة المقطع بجملة ترتبط بحلقة الجملة الأولى إذ جناس (الَبْعد والبُعد) “قاتل لتلك الورود”: لكن مداليل الألفاظ تظل تهمي بأمل ما يقوم من يباب اللحظة: (أرشف - الذابلة - المشرفة) وصيغة المضارع في فعل (أرشف) أَكَّدَتْ الأمل المطمور، واستحضار الماضي بنبرة تجديفية رومانتية: (ظللت أزرع الورود في حقولك / قبل أن تجف ينابيعها..).
لقد أشغل النص الزمن الراهن بزمن التجربة المحتدمة مع هذه التي يبحث عنها، ولا تخونه ذاكرته عنها في شيء، ولذلك جاء المقطع الثالث في دائرة تحولنا إلى الوقوف في السراب بعد قتل الورود.
المتلقي لا يعرف شيئًا عن مفردات تجربة النص، تسرع الكلمات لتدفع حركة التوتر الدرامي من جديد في المقطع الثالث.
بنية تبئير النص بالسرد القصصي
ذلك اليوم
في تلك الغرفة الهادئة
النائمة في الستائر
الموغلة في السواد
اخترق الصباح النافذة
فجاءني صوتك:
أرجوك اطرد هذا الوجه
الذي يرقبنا
تتعالى ضحكاتي
أجيبك:
أحب وجه الصباح المضيء
كوجهك
لماذا تخافينه؟
تجيبين:
أكرهه أتشاءم منه
يتكون المقطع السابق في بنية سردية قصصية، يصف غرفة التواصل كمقدمة:
(ذلك اليوم / في تلك الغرفة الهادئة / النائمة في الستائر / الموغلة في السواد /..) ثم يستخدم أسلوب “الصدمة” الذي يبرز “عقدة نفسية” عند هذه التي ظل يزرع الورود في حقولها، عندما نجدها تكره (وجه الصباح) وتتشاءم منه، وقد تكررت لفظة: (الصباح) أو الضمير الذي يدل عليها (7) مرات، في هذا المقطع المؤلف من ثمان وأربعين كلمة.
إن هذا المقطع أشبه بقصة قصيرة جدًا لم تكتمل بلحظة تنوير بقيت مؤجلة أو متوقعة لدينا. لقد ابتعث فينا أسئلة كثيرة لم نجد لدى النص إجابة عنها، فلماذا الستائر موغلة في السواد، ولماذا يرتبط السواد بالهدوء، وكم كان التأثير قويًا حين استخدم فعل: “اخترق” هذا السواد من قبل الصباح (اخترق الصباح النافذة) ثم جاءت المفاجأة بطلب طرد هذا الصباح: إن انتقاء اللغة في هذا المشهد كانت تشع لنكتشف نحن ما يقع تحت شعاعها في رقة وانسياب وحذر وانتظار لأي إضافات تشرح أو توضح.. فعبارة
(فجاءني صوتك) دلت على غياب أو ندم أو سحر مالك مستتب تنبه على أثر الصوت المترقرق.. وماذا في صاحبة الصوت حتى يرقبها الصباح وحده ويغطيها الليل فتحيا؟!.. لماذا تريد أن تبقى الستائر تحبس هذا الليل في الخارج والداخل فلا ينجلي عنها أو تنجلي عنه، ويأتي التضاد من قبل زارع الورد محبًا لوجه الصباح الذي يراه في تلك التي يرى فيها وجوده: (أحب وجه الصباح المضيء / كوجهك) لكنها هي، تكرهه وتتشاءم منه، هل لأنه يكشف فيها حقيقة ما أو يكشف فيهما معًا حقيقة ما، تراها وحدها، هل الليل يعني الانفجار / في هذه العلاقة تطول إلى ما لا نهاية إلا إذا اخترقها وجه الصباح!؟..
وحدد ملامح منها مرائية، والمقطع السابق استخدم مفردة (الصباح) على مستويات قرائية عدة: ف1 (اخترق الصباح) دلت على تلك الظاهرة الطبيعية المعروفة:
و(الوجه) لهذا الصباح، جعله شخصًا يرى ويسمع ويحس ويتكلم ويراقب ويكشف وهي تكرهه لذلك كله، أما هو فيحب من هذا الوجه إضاءته ووضاءته لأنه يذكره بتجدد الضوء والمياه في وجوده مثل وجهها الذي يحيي ويضيء وفي سياق مدلولات: (الصباح) مركز دائرة الصراع قطبان متضادان تنبثق منهما فعالية سياقية نصية لا تؤدي إلى سيادة أحدهما في الواقع وفي النفس، فهل يرد شيء عن هذه الغلبة فيما بعد!..
وقد أدّى الحوار الرشيق في بنية القص في هذا المقطع إلى صوتية الحب والكره لوجه الصباح ورسم غابة القلق التي تتحرك فيها علاقتهما المسددة نحو المجهول لكأن هذه العلاقة لعنة كتبت عليها بمشتبهاتها..
* قطبا الصباح / مركز صراع الدائرة:
إن البنية الدائرية في هذا المقطع تجمعت على مستويين:
1- على مستوى ربط الأدلة: (ذلك اليوم) بآخره المفتوح: (أكرهه - أتشاءم منه) وعلى الرغم من أن العبارة تدل على الصباح إلا أنها تمثل لسان حال الراوي أيضًا الذي كان ليومه هذا أو صباحه هذا “وما بعده” إذ وشى بذلك المقطع القادم انه أعلن فراقنا في مساق هذا النص.
2- على مستوى تجمع كل مومئات النص وعناصره الأدائية وتشكيلاته الدلالية حول كلمة (الصباح) والدوران فيها وعليها بما تُفضي إليه من تتبيعات بالمعنى البلاغي حسب السياق الذي ترد فيه وتمت الإشارة إليه من قبل ومن بعد.
التبئير بنصوص البطاقات:
البطاقة، المقطع، النص تبئير شكل في بطاقات، كل بطاقة توجه كلمات، ترفع بالنص إلى ذروة التوتر حول هذه العلاقة وتثري الصراع ودرامية النص بزيادة جزئيات التضاد المتضايفة في هذه البطاقات التي يبلغ عددها ثلاثًا في المقطع الرابع فوسعت من البناء الهيكلي الدرامي. إن التراكم هنا يفرز الكيف الذي عمل على ربط الوحدات الدلالية التي تدور حول (الصباح) وبؤرة العلاقة داخله، لنقرأ:
* (البطاقة الأولى) في المقطع الرابع / بنية السخرية:
وجه الصباح
أطل يومًا فأظلمنا
ثم أطل ثانية
وكان يضحك، بقهقة مستلقيًا
على صفحة الشمس
فلم أعِ مقصده
إنه أعلن فراقنا
الصباح ينثر علاقتهما في إطلالتين: هنا، غلب (إظلامه) نفسيهما معًا وتوظيف فعل (أطلَّ) مرتين عبأ الأسى ومدّ لسان السخرية داخل بنية التضاد، فالإطلالة تعني البشارة الجزلى لكنها حملت حملها الشئيم، وأرهصت بالفراق بعد الطلة الثانية، والاستدراج اللغوي هنا كان ذكيًا مشعلًا مشاعرنا وتعاطفنا، حيث استخدمت اللغة قناعًا يخفي حقيقة مجرياتها التي تنضم في السياق اللغوي لتنتج نهاية هذه العلاقة البئيسة.
اللغة تداعت في سياق جمالي يسفر عن الاستبشار، إذ يضحك وجه الصباح، ويقهقه مستلقيًا على صفحة الشمس، لكنه الضحك من العلاقة وعليها وليس ضحك إعلان الموت أو الحياة، وبنية أسلوب السخرية التي أدى دوره في تبئير النص داخل هذه البطاقة الأولى من المقطع الرابع عبأت شحنتها على:
أ) المستوى الداخلي حيث التضاد ما بين مدلول إطلالة وجه الصباح والعلاقة الإنسانية التي أفرزها.
ب) المستوى الخارجي ما بين طرفي العلاقة ووجه الصباح الذي أطل
(ظلمة) لا (ضوءًا) سوادًا لا بياضًا، لكأن هذا يدل على “الظاهرة الطبيعية” التي تستبطن “الظاهرة الإنسانية” كل صباح يحمل الليل في نهاية المطاف، ولا أمل في فرح إنساني مطلق، لأن الدورة قائمة.
وهذا المعنى يناسب عجلة الحركة المتوترة الدرامية على مستوى النص كله وعلى مستوى مقاطعه واستدارة لغته ومُفضياته الأسلوبية.
* البطاقة الثانية في المقطع الرابع / بنية الصورة النفسية:
يا وجه الصباح كم أكرهك
لأنك أعلنت رحيلها.
بيني وبينك ثأر يتجدد
أحقد عليك
كلما مررت بك وأنت تقف أمامي
في الحدائق والشوارع
وتطل من الفوهات والنوافذ
تعود عبارة (وجه الصباح) متكررة في أسلوب إنشائي، وهي العبارة التي تشكل رؤية النص، وتمتص كل ما يغني حركة التوتر الدرامية نحو ذروتها وهي المركز الذي تدور عليه البنيات والأسلوبيات وأداء اللغة والمصورات إنها (مفتاح القلق) و(الذاكرة الملتهبة) للجمال الإنساني وهو يعبر عن نفسه بصدق وتلقائية فنية أورثت الدهشة وسكنت ومضة الملاحقة، والعبارة السالفة هي عنوان النص وإيرادها يدل على (وقت منكسر) (ومكان منكسر) يسجلهما انكسار الصباح غِبَّ رحيله “لأنك أعلنت رحيلها”.
يتلو ذلك صورة نفسية تشخص الصباح وهو يملأ منافذ الحياة / الموت في بنية تضاد دلالية؛ يملأ الحياة لأن مظاهره لا تُحدُّ ويخلف الموت لأنه هنا يكسر النفس ويثبت في جراحها ويحور توترها إلى وترها في (ثأر يتجدد).
ومفردة (كلما) جعلت من الصورة النفسية المشخصة تتكرر، وتكرارها هذا يعني المعاناة والقلق والانكسار، وقد تم رسم الصورة النفسية التشخيصية رسمًا جدليًا مجددًا للألم، فالضوء / الظلامي يتجدد والألم يتجدد في النفس، والحصار الظلامي يحجز الألم في أسواره في كل مكان، وهذا يعني أن الثأر يتجدد في كل لحظة من الحياة، وهذا مبلغ معاناة يمكن توقعها، وهنا تتبدى لعبة الصورة النفسية الجدلية حيث كل عنصر فيها يؤدي إلى عنصر آخر / يجادله ويتمخض عنه.
وقد جاء فعل (تُطل) في زمن الحاضر ليدل على الاستمرار وانبثاق هذا الجدل الناخر رابطًا ما بين (وجه الصباح المكروه) في أول هذه البنية وما بين آخرها حيث لا يمل هذا الصباح من الإطلال في دائرة تنغلق حول نفسها في كل خطوة في الحياة ولا شيء قادم بالخلاص.
* البطاقة الثالثة في المقطع الرابع / بنية أنسنة الأشياء:
أهرب من إشراقتك
لا أريدك أن تأتي
لأنك تغار
تغار من حبيبتي
حين كنت تقاسمنا لحظات الفرح والمتعة
بحقد ضغين عندما تطل فجرًا
وكانت العصافير تشيء لي بحقائق عنك
تذهلني..
إن الداخلي الذي يمتد ويتعمق وهو يقلب معطيات تجربته، يتركز اللحظة، في المثير النفسي والذهني هو: “وجه الصباح”. وعلى الرغم من جدله مع هذا المثير، ومحاولة إطلاق فاعليته في بنيات النص المتعددة، على أنه معاناة ضمنية بأسباب موقعه لدى التي تصدعت الحياة فيها، فإن مثل هذا المثير لم يعد محتملًا في الحركة الداخلية وحدها، التي لم تعد تحتمله في منعكساته عليها، فتمثل الصباح شاخصًا في صورة حسية، تعبر عن واقعه النفسي الراهن، وتؤكد كرهه لوجه الصباح الذي أحبه ذات يوم بوجودها وكرهت وجوده معه. الصورة الحسية هنا رغبة في إيصال المشاعر وتجسيدها، وتحريك المتضاد فيها نحو موقف يزيد من جدل الصورة مع عناصرها أو أطرافها التي تتشكل منها:
(هو - هي - وجه الصباح)
(أهرب من إشراقتك / لا أريدك أن تأتي / لأنك تغار / تغار من حبيبتي) أن الأفعال والضمائر تشير إلى أطراف الصراع في جدل الصورة الحسية المتضادة:
أهربُ: هو
تأتي: وجه الصباح هي
حبيبتي: هي
وأنسنة الصباح في (تأتي، تغار)
و: (حين كنت تقاسمنا لحظات الفرح والمتعة / بحقد ضغين عندما تطل فجرًا..)
ساعدت على أن يقف الصباح بقامته متوازيًا مع طرفيه فيهما.
وتوظيف الاستعارة التي شخصته إنسانًا قوت من موقعه المستبد المحفوف بالأسرار وما يضمره من مشاعر إنسانية: (تأتي - تغار - تقاسمنا - بحق ضغين)، نشط صورته في تجادل الموقف الإنساني المتكامل بالأفعال التي قامت بها أطراف الصراع.
وقد قامت المعاني في المقطع على ترسيخ خصائص جوهرية في صفات الإنسان فأبرز المكون الانساني تلك الأنسنة، وتعمقت الحياة متوهجة فيه حتى يكون مفككًا استبداديًا لواقع تجربة تتلاشى معه وبه.
وما يلاحظ على هذه الصورة هو تشكيلها المركب حيث “تناميها” في جانبها الإنساني بعد أن تحولت، و: “تبددها” في جانبها الشيئي قبل التحول؛ وهذا مناسب لتعبير: (وجه الصباح) الذي يحيل إلى (الإنساني) و(التشيؤ) معًا.
فقد بدأ البطاقة بالصباح المشرق قبل الاستعارة متظاهرًا بحقيقته الكونية التي يبقى لها نشاط دلالي مضمر في موقع التجربة الإنسانية ثم خرج الصباح عن طبيعته ينبىء بانعكاسه على حب التجربة ليزيد ارتعاشنا به، لكن ينقلب في آخر البطاقة إلى عناصره الأولى:.. “عندما تطل فجرًا”، ويدعم هذا الانقلاب ظهور العصافير مع إطلالته: “وكانت العصافير تشي لي بحقائق عنك” وهكذا تلتفت البطاقة أيضًا حول نفسها وتدور تداعياتها في البداية والنهاية، وكأنها إشارة إلى العودة إلى الواقع الذي ينهض بلغته ومومئاته فلم يعد ينفع شيء في تخطيه. وتشخيص الصباح كان حادثة تصويرية ومحاولة أخيرة من صاحب التجربة ليتابع بثه النفسي، ويملؤه بموقفه الشعوري ذي القسوة لأنه لا يفهم مستتبعاته وحامل مؤشر الفراق والتدمير فيه مع أنه حقيقة ينطلق منها الضوء والحياة.
لقد غدا الصباح الآن علاقة زمانية مكانية شكلت منها كل هذا الألم، وأورثت كل هذا البؤس والذهول: “... بحقائق عنك / تذهلني..”.
المقطع الخامس: بنية التبئير ب - نداء المفارقة -:
أيها الصباح
يا يوم البارحة
وزهو الحاضر
وأمل المستقبل
لم تعد تتمتع بكل ذلك
الكل بات يكره حضورك الحزين
ويومًا ستغتال كل الأحلام الباقية
في قلوب العذارى
الخطاب اكتسب توتره العاطفي الغنائي من ندائه (أيها - يا يوم) ومفارقته المتدفقة بين حقيقتين، وبتخلل الرؤيا داخلهما، وهي تصوغ موقف صاحب التجربة، وانتقال معبرة الذاتي إلى الإنساني.
الخطاب أنصب، هنا، على الصباح وحده وحذف وجهه منسجمًا مع الجانب الشيئي الذي قفلت به البطاقة الأخيرة من المقطع الرابع.
لقد أصبح “زمنًا” مطلقًا كونيًا لا يعني ذاته لأن دلالات تحولاته قضت على خصائصه “لم تعد تتمتع بكل ذلك” لم يعد أملًا يشرق بالحياة كلما ضاعت أو وهنت.
والنظرة السوداء ليست ذاتية، بل تمتد إلى جوهر الحياة الإنسانية التي ينبغي عليها أن تكره حضور وجهه الصباحي (الزائل) المراوغ الذي يخبئ في خيوط الضوء، الظلمة والفجيعة والسقوط والضمور المرعب الحقيقي ويومًا ستغتال كل الأحلام الباقية / في قلوب العذارى..). فلا أمل في شيء يتحور حتى لو استعاد حضوره المؤمل. فللصباح وجه آخر في موقف هذه التجربة النصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.