بعد إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه، وهي الشرارة التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، شهدت دول عربية أخرى نفس هذه الظاهرة. فبعد الجزائر التي شهدت، حتى الآن، خمس محاولات للانتحار؛ احتجاجًا على عدم توفير السكن والبطالة، انتقلت العدوى إلى مصر، حيث أضرم أربعة أشخاص النار في أجسادهم، قبل أن يأتي الدور على موريتانيا، حيث استنسخ شاب طريقة البوعزيزي، وأحرق نفسه بالقرب من المقر الرئاسي في العاصمة نواكشوط، تعبيرا عما وصفه ب «استيائه من النظام الحاكم». وإذا كانت انتفاضة الشعوب من خلال المظاهرات السلمية أو العنيفة أمرًا نشاهده هُنا وهناك في أنحاء متفرقة من العالم، فإن ظاهرة «بوعزيزي» هي ظاهرة جديدة على الساحتين العربية والإسلامية. وحدوثها على هذا الوجه فيه تخط ليس فقط «للتابو الاجتماعي» للمجتمعات الإسلامية، بل وتحد «للوازع الديني والقيم الإسلامية». وهو ما يشير إلى حالة استياء وإحباط شعبي عارم يسود بعض بلدان الوطن العربي يرشح المنطقة برمتها إلى مزيد من الأخطار. الأمر الذي ينبغي فيه عدم التهوين من حجم الانتقاضة التونسية وتأثيرها على المنطقة وضرورة دراسة أبعادها على الجسم العربي. المدهش هو حالة الاستخفاف من بعض الأنظمة العربية لظاهرة غضب الشارع العربي. فبينما استهان احد وزراء الخارجية العرب بإمكانية انتقالها إلى بلاده أو إلى دول عربية أخرى، ووصف ذلك بأنه «هراء» وبأن الظروف مختلفة بين تونس وبين بلده وبين الدول العربية الأخرى، وصف أحد المسؤولين الأمنيين العرب شابا عاطلا أحرق نفسه في ظروف مماثلة لتلك التي واجهت (بوعزيزي) بأنه «مُختل نفسيًا»، وبأن ما أقدم عليه كان «تصرفًا غير لائق». وهو ما يدل على قدر الاستهزاء والتسفيه التي يحملها بعض المسؤولين تجاه مطالب الناس المشروعة. الأمر الذي يرشح بألا تكون التجربة التونسية تجربة فردية بل قد تُشكل أول اختراق للحدود والسدود بين الدول العربية!! [email protected]