لو سُئِلَت جدّتي، وهي التي لم تدخل في حياتها مدرسة أو حتى كتاتيب، ولم تسمع عن شيء اسمه (الهندسة)، إلى أن ماتت رحمها الله، عن أسهل مكانٍ في جدّة تصريفاً للأمطار لقالت: (وَهْ يا ولدي! إِنْتَا ما تِعْرفُو؟! ما في غِيرُو.. الكورنيش)!. وهي صادقة، لأنّ كورنيش جدّة مُلاصق للبحر، وهو طريقان، واحد متجه إلى الشمال، والآخر إلى الجنوب، وتصريف الأمطار فيهما بسيط جداً، (شُويّة) ميول عرْضية في الأسفلت باتجاه البحر، أي من الشرق إلى الغرب، مع بعض التمديدات والفتحات في الأرصفة!. هل هذا صعب؟ أو يحتاج لميزانية كبيرة للتنفيذ؟ طبعاً كلاّ والذي علّمني لأكون مهندساً، وأيّ طالب في السنة التحضيرية في كلية الهندسة يفهمها على الطائر!. في الأسبوع الماضي، وبعد يومٍ من هطول الأمطار الأخيرة، شاهدتُ في الكورنيش بأم عيني أمطاراً كثيرة راكدة في مساحاتٍ متفرّقةٍ وكبيرةٍ على الطرف الأيمن للطريق المتجه إلى الشمال، وهذا يعني أنّ ميول الأسفلت عِكْس عِكاس، أي من الغرب إلى الشرق، وأنّ التمديدات أو الفتحات، إن وُجِدت، فهي جالسة تقشّر (فِصْفِصْ)، وتأكل (بليلة) و(فِشار)، وتتأمّل جمال البحر وزُرْقته!. حقيقي، عفارم على الأمانة، إذ لديها، دون العالمين، نظرية تقول إنّ المياه تجري ضدّ الجاذبية، أي من الأسفل إلى الأعلى، لا العكس، وأقترح تسجيلها بسرعة في الموسوعات العالمية، قبل أن يسبقها علماء الهندسة إلى اكتشافها، ومن يدري؟ لعلّها تُمنحُ عنها جائزة نوبل للعلوم!. وبهذه النظرية العبقرية، لا حلّ لتصريف مياه الأمطار في الكورنيش، إلاّ بنقل البحر الأحمر إلى شرق الكورنيش كي تُصرّف الأمطار نحوه، لكن أخشى أن تزعل الدول المُطلّة عليه، لسلْبِنا له منها، فيهرع إلينا مسؤول بالجامعة العربية في رحلات مكوكية، شافعاً ووسيطا، أو نقل الكورنيش إلى الضفّة الأخرى للبحر الأحمر، لكن أخشى أن ترفضه هذه الدول قائلةً لنا: الله يخلّيكم، كورنيشكم حلو، لكن لا نريد كورنيشاً تُرْتكبُ فيه فضائح بحقّ مهنة الهندسة، إنه «بضاعة مُزجاة» مردودة إليكم!. وبهذه الفضيحة، هل ننتظر من الأمانة أن تنجح في تصريف أمطار جميع شوارع وأحياء جدّة؟ وهو التصريف الأصعب بكثير من تصريف الكورنيش؟ لو نجح المدرّب السابق الفاشل لمنتخبنا، البرتغالي بيسيرو، في تأهيلنا لكأس العالم وإعادة كأسي الخليج وآسيا لنا، ربّما تنجح الأمانة!. للمرّة الثالثة أقولها: أمانة جدّة عاجزة نفسياً وإدارياً وفنياً عن حلّ مشكلة تصريف الأمطار!.. وللمرّة الثالثة -أيضاً- اسأل: متى نكلّف جهة مؤهّلة غيرها؟!.