كان يُحبها إلى درجة الوله واللهفة.. يفتقدها حتى لو غادرت لتجلب له «غدارة» حليب تحلبه من ضرع ناقتها التي كانت تستظل تحت شجرة بجانب بعيره. كان يسأل دومًا عنها.. يناديها.. يناجيها.. يكتب فيها أبياتًا من الشعر الحديث والجاهلي.. وما بينهما * * * وكانت هي تبادله الحب وتعرف قدرها عنده كانت تزيد جرعة حبّها جرعة أخرى.. حتى «يتكيّف» بحبها.. وتتحوّل درجة كثافته إلى ما يسميه المصريون «شاي كشري»! * * * تمثلت له في هيئة تلك الجارية التي شاهدها شاعرنا النابغة في قصر النعمان (الخورنق) وهي تنحني لتلتقط إزارها الذي سقط على الأرض لتداري حُسنها، فأنشد فيها قصيدته الشهيرة التي يقول مطلعها: «سقط النصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته واتقتنا باليد بمخضب رخص البنان كأنه عنقود من فرط الحلاوة يعقد» ويختتمها بالبيت الشهير: «أحبها.. وتُحبني.. ويحب ناقتها بعيري» وقبل أن يفيق من سكرة الشعر كان سيف النعمان يطلب رأسه، فظلّ هاربًا لعشرات السنين. * * * لكن صاحبنا لم يكن في شاعرية النابغة.. وحتى لو أراد الهروب.. فأين يذهب يا عيني؟ أفاق هلعًا وهو يتخيّل سيّاف النعمان يطارده طالبًا رأسه..وليكتشف أنه كان يعيش حلمًا طويلًا.. ليس فيه شيء حقيقي.. [email protected]