صبيحة ذلك اليوم لم تكن ككل الصباحات. فهي تشبه تلك الأيام التي نصحو فيها ونتمنى ألا نغادر بيوتنا، لا لشيء سوى إحساسنا بأن شيء ما سيحدث؟! كالعادة.. لا جديد في الشارع، في السيارة، في العمل، سوى شيء واحد، فصديقنا “نبيل” لم يكن على مكتبه. لم نهتم كثيرًا، فالعراك اليومي في صاحبة الجلالة أكسبنا قسوة ألا نكترث كثيرًا لغياب أحدنا، فربما انتقل للعمل ليلًا أو أنه حصل على إجازة اضطرارية، أو.. أو.. لكن الغياب كان مريبًا.. حيث بدا إجباريًا.. تلاقت العيون لتتساءل، وهي تتمنى ألا تجد إجابات، فهل حل “نبيل” ضيفًا في مكان آخر؟ لدى أناس آخرون، مختلفون، ربما أكثر صدقًا، أكثر حبًا، أكثر حفاوة، أكثر سعة، أكثر سعادة، فهو لم يكن أول المختفين، وبالطبع لن يكون آخرهم، فهذا المآل كلنا واردوه، لا استثناءات، لا وساطات، لكن لم يجرؤ أحدنا على طرح أي من الأسئلة صراحة! تعودنا أن تتلاقى الوجوه يوميًا، لشهور، ولسنوات.. وفجأة يسقط أحدنا، فلا نجد له ظلًا.. ولا نعرف له سبيلًا.. ويأتي الخبر اليقين.. غياب “نبيل” كان قصريًا.. فقد اختطفه الموت. لم نجد مفردات تصف صدمتنا، فالوجوم علا قسمات وجوهنا، وداهمت الوحشة قلوبنا، وظللنا هائمين متمتمين باكين، لا نملك إلا أن نحرك شفاهنا بكلام ليس له معنى، وربما دون أي كلمات. إنا لله وإنا إليه راجعون. نعرف أن كل نفس ذائقة الموت، إلا أنه مصيبة ليس بعدها مصيبة. فسقوط أحدنا يذكرنا بكل من سبقوه، بكل من سلبهم الموت حياتهم، زوجاتهم، أولادهم وبناتهم وأموالهم وأحبائهم، وكل ما تمنوا وكل ما حلموا، وكل ما حققوا من أحلام، وكل ما لم يحققوا، فكل من في القبور بالتأكيد لم ينجزوا كل أعمالهم. نعم مات “نبيل”، وكم من حبيب وصديق مات. وانزوى في طريق ذات اتجاه واحد. سبحة طويلة تنفرط يومًا بعد يوم، ربما نخطئ في العد، ونحن نرى الموت يحصدنا حصدًا، يقطعنا رغمًا عنَّا، ويفصلنا كراهة، إلا أن النسيان لن يخطئنا - رغمًا عنا أيضًا - فمن رحمة الله أن الفواجع تتصاغر بعد عظمتها. أيها الصديق الصدوق. اعلم أننا سنظل نذكرك طالما تنبض قلوبنا. حسام فوزي - جدة