كتاب “الإسلام والمسلمون في أمريكا” لمؤلفته “جين سميث” الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة بترجمة لمحمد الخولي يستمد قيمته من واقع صدوره ضمن سلسلة التعريف بالأديان الكبرى في أمريكا المعاصرة التي تشرف على مطبعة كولومبيا بالولاياتالمتحدة، ومن وصف ناشر الكتاب للإسلام بأنه عقيدة تدين بها واحدة من أسرع الجماعات الدينية نموا في أمريكا حيث ظلت وتيرة التحول إلى الإسلام تتسارع على مستوى الولاياتالمتحدة قبل أحداث 11 سبتمبر 2001 وبعدها في تقديمه للكتاب يري المترجم محمد الخولي أن فصول الكتاب الثمانية موجهة أساسًا إلى قارئ الانجليزية في أمريكا وغيرها ويضيف الخولي بقوله: ولأنه كتاب تعريفي في جوهره فقد جهدت الفصول الأولى لإلقاء لمحات كاشفة من الضوء المعرفي أو الضوء التعريفي من وجهة نظر المؤلفة على أسس العقيدة الإسلامية وجوهر شعارها وأطوار نشأتها ويفاعتها ونضوجها تتطرق سطور الكتاب إلى نشأة وتطور جماعات الإسلام السوداء وإلى متابعة جولات الصراع التي نشبت داخل مجتمع الافروأمريكين المسلمين ثم نضالات قادها المعاصرين للتخلص من أوشاب الخرافات العقيدية والارتقاء من غيابها التعصب العرقي الأسود إلى حيث التسامي بعقيدة الملونين في أمريكا إلى مراقي الإسلام الحنيف والدين القويم الحق في سلامة فطرته وسماحته وإنسانيته التي تتعامل مع البشر جميعًا من موقع الفهم والتعاطف والإنصاف. تعرض المؤلفة جين سميث لمجتمعات الإسلام الوافد الذي جاء إلى القارة الأمريكية بين جوانح المهاجرين وأفئدة الوافدين وتتوقف متأملة عند المشاكل التي يصادفها مسلمو المجتمعات الوافدة بالهجرة من اجل التوفيق بين ديانتهم وثقافتهم القومية وبين مقتضيات ومستجدات بل وتحديات تصادف الفرد المهاجر في مجتمع فريد في أعرافه وأوضاعه الاقتصادية وأنماطه السلوكية وأساليب ممارسته لحياته على مستوى الفرد وصعيد الجماعة على السواء. وفي سياق استعراضها لمجتمعات الإسلام الوافد إلى أمريكا تشير جين سميث إلى مساهمات لها أهميتها أسداها الأزهر الشريف في مصر إلى الجماعة المسلمة في أمريكا وبالذات في مجال تخريج كوادر غير مصرية ما لبث بعضها أن تولى زمام القيادة العقائدية أو التنظيمية في المجتمع المسلم بالولاياتالمتحدة. الفصول الأولى من الكتاب تساعد القارىء على الوقوف على تجارب المسلمين الأمريكين ضمن سياق تاريخ المعتقدات والمؤسسات والتطورات الإسلامية والفصل الأول الذي يعد مدخلًا إلى المعتقدات والشعائر التي ميزت الجماعة الإسلامية منذ زمن الرسول والتي كانت الإطار للحياة الدينية للمسلمين الأمريكين يعرض الدعائم الخمس التي بنيت عليها العقيدة الإسلامية والأركان الخمسة للممارسة الدينية المعطاة ضمن سياق حياة المجتمع ويشير إلى بعض الأسباب التي تجعل محمدًا أسوة حسنة يقتدي بها المؤمنون. والفصلان الثالث والرابع ينظران في أمر السبل العديدة التي أضفت أهمية بشكل عام على الإسلام الوافد مهاجرا إلى أمريكا حيث يصف السبل التي وصل بها المسلمون إلى أمريكا واختياراتهم الإسلام دينًا لهم ويتتبع هذا الفصل حركات المهاجرين في منتصف القرن التاسع عشر وخاصة الوافدين من الشرق الأوسط من خلال موجات الهجرة العديدة وحتى الوقت الحاضر حيث أصبح المسلمون موجودين فيما يكاد كل بقعة في العالم. ويبدأ الفصل الرابع بمقدمة عن العبيد المسلمين الذين جاءوا بهم إلى أمريكا بعد إجبارهم في معظم الحالات على التحول للمسيحية ثم يسهب في بيان قصة هؤلاء من خلال مناقشة تفصيلية لصعود الإسلام منذ التعبيرات الأولى عن القومية السوداء ابتداء مكن ظهور وتطور جماعة أمة الإسلام إلى المظاهر المعاصرة للحرمات الإسلامية السنية والمنشقة على السواء. أما الفصول الثلاثة الخامس والسادس والسابع من الكتاب فتتطرق إلى مجموعة واسعة من القضايا التي تواجه المسلمين الذين يرون أن يعيشوا حياتهم العقائدية ضمن السياق الأمريكي كما تصف هذه الفصول الشواغل التي تساور هؤلاء المسلمين فيما يتعلق بأمور العبادة والسلوك الديني والأسرة والمسائل الشخصية ودور المرأة في أمريكا المسلمة وتربية أبنائهم وتعليمهم ورعاية المسنين فضلًا عن قضايا الملتحقين بالخدمة العسكرية أو المودعين في غيابه السجون إضافة إلى استخدام المنتجات المشروعة إسلاميًا وارتداء الملابس الحشمة وانتهاج انماط السلوك القويم فضلًا عن العديد من القضايا الأخرى المتصلة بالحياة في بلد كثيرا ما يتعرض فيه الإسلام إلى سوء الفهم وقلة التقدير وتولي الفصول الثلاثة اهتمامًا خاصا بتطور المساجد والمنظمات الإسلامية الأمريكية وبجهود نشر الدعوة ومشاركة المسلمين في العملية السياسية والطرق التي يعمل بها المسلمون وغير المسلمين على تحديد ومعالجة حالات التحيز والمعاملة المجحفة بالإضافة إلى إلقاء بعض الضوء على ظاهرة النشاط الاعلامي الإسلامي بما يعكس عزم بعض المسلمين على جعل أمريكا ميدانا للتبشير بديانتهم. ويطرح الفصل الثامن والأخير من الكتاب بعض الشواغل والمشاكل التي تواجه المسلمين في أمريكا ومنهم المهاجرون أو الأفريوأمريكين أو المتحولون إلى الإسلام وكذلك القضايا التي يثيرها المسلمون أنفسهم في أحاديثهم واجتماعاتهم وهي قضايا تعكس مدى تعقيد المشهد الإسلامي الأمريكي على النحو الذي ينعكس في واقع الخليط العراقي الاثني والثقافي الذي يعيشه المسلمون هناك وانماط التحول من واقع المهاجرين الأوائل إلى واقع الأمريكين المنتمين إلى الجيل الثاني ثم الجيل الثالث الحالي فيما يتعلق بالطرق التي يرفضها أو لا يرتضيها المسلمون من حيث تأثرهم بالاتجاهات والحركات القادمة عبر البحار ثم طرق الفهم المختلفة لما يغيبه تأكيد الهوية الإسلامية والحفاظ عليها ضمن سياق يطرح دينًا ما زال يشكل عقيدة أقلية صغيرة الحجم.؟ يتضمن الكتاب جزءًا خاصًا عنوانه ملامح السير الشخصية وفيه نبذات عن حياة بعض المسلمين المرموقين الذين ساهموا في تعريف وصياغة الإسلام في أمريكا سياقات تاريخية وثقافية متنوعة كما يعرض الجزء للمسلمين الذين تفوقوا في المضمار الأكاديمي إضافة إلى الجانب التنظيمي للجماعة الإسلامية فضلًا عن مشاهير الرياضيين والشخصيات البارزة في بعض جوانب الحياة الأمريكية العامة كما يتضمن الكتاب أيضًا عرضًا فنيًا لسلة الأحداث التي شهدها تاريخ الإسلام الأمريكي إلى جانب قائمة بالمراجع التي يمكن أن تساعد القارئ الراغب في معرفة المزيد عن الإسلام في الولاياتالمتحدة وكندا يؤكد الكتاب على أن صورة الإسلام في أمريكا تتغير كل يوم لأن هذه العقيدة ينضم اليها أفراد جدد وتصبح المعلومات الجديدة متاحة من خلال مجموعات متنوعة من المصادر كما تتم تفسيرات جديدة تساعد المسلمين على معرفة المزيد بشأن ديانتهم وبأساليب ممارستها على صعيد مجتمع يأخذ بالتعددية. وفي هذا السياق تورد المؤلفة رأي مسلم أمريكي: لقد حان الوقت لكي تتولى جماعة المسلمين في أمريكا مقاليد المسؤولية الكاملة على شؤونها حتى يمكن للجيل الشاب أن يعيش ويزدهر في هذا البلد على قدم المساواة السياسية والاقتصادية وأن تتاح هذه المهمة بقدر ما يعرف الأمريكيون الكثير عن الديني الإسلامي ويصلون إلى مستوى أفضل لفهمه بوصفه عاملًا حيويًا في تقديم مساهماته للساحة الدينية في أمريكا.