أمسك بقلمه ولملم أوراقه وانتحى مكانًا قصّيًا يبحث عن فكرة.. أو فكّيرة يبدأ بها مقاله الأسبوعي، فكّر وتدبّر عن ماذا يكتب..؟! أيكتب عن السياسة ويدخل في دهاليزها، وهل ينجو من صداعها، عن ماذا يكتب هل يكتب عن السودان الذي ضيعته الحكومة والمعارضة معًا، أم عن فلسطين التي أضاعها التنافس على السلطة أكثر مما أضاعها الأعداء، ترك صاحبنا السياسة جانبًا، واستعاذ بالله من مجاهلها ومحاذيرها، وفكّر في الكتابة عن الشأن المحلي، فجالت في خاطره قائمة طويلة من قضايا المجتمع القديمة الحديثة، التي ملّ الكتّاب من الحديث عنها، وملّ القراء من قراءتها، بدءًا من غلاء الأسعار إلى غلاء المهور، إلى عضل الفتيات، مرورًا بالترهل الإداري في بعض الإدارات الحكومية، إلى بطالة الشباب والمعاكسات في الأسواق، ومستوى المنتخب لكرة القدم.. تمّهل الكاتب قليلًا وقال: مالي ولمشاكل وقضايا وطنية أكل عليها الدهر وشرب ولم تُحَل، عصر أفكاره وحاول ثم حاول، فاستعرض قائمة قضايا اجتماعية أخرى ظهرت قريبًا وبسخونة؛ على سطح قضايا المجتمع مثل نظام (ساهر)، وما أدراك ما ساهر..؟! وتحديث المناهج وتطويرها، وتطوير القضاء وتطوير الأنظمة الإدارية الأخرى، وحرية الإعلام، وعرّج في تفكيره على مواضيع أكثر سخونة مثل المنتديات الاقتصادية، وقيادة المرأة للسيارة، وتعليم اللغة الإنجليزية، والرياضة المدرسية للبنات، ومشكلة أمطار جدة الأخيرة وتبعاتها. ارتجف القلم في يد كاتبنا وارتعدت أطرافه، وتجمّد تفكيره، واستعاذ بالله من وساوس التفكير في تلك القضايا التي لا تُحمد عاقبة مناقشتها، واهتدى إلى عدم الخوض فيها، حار تفكير صاحبنا، وارتجف القلم في يده عدة مرات، فالسياسة طلقها منذ زمن إلى غير رجعة، وهذه المواضيع المحلية الاجتماعية أصبحت تحوطها أسلاك شائكة، قال في عقله وحدَّث نفسه: ولماذا لا يطرق مواضيعًا مستجدة كإدخال المسرح أو السينما للمجتمع وإطلاق أسرهما، فتذكَّر ما حدث وقت طرحهما في السابق من مناقشات ساخنة، فعاد أدراجه حيران أسفًا، قال ومالي ولمواضيع لا تؤمن جوانبها، وتمتم بينه وبين نفسه وألقى اللوم على النقد الفكري الأحادي الذي يؤمن بمبدأ (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ)، فكيف لقلم أن يكتب بحرف، أو لحروف أن تسطر حراك مجتمع أو نبضه، والعقل والتفكير مأسوران لأفكار نمطية، بحجة حماية جناب المجتمع، فأسهل ما على اللسان دائمًا (لا)، فهي تريح من التفكير وتبقي المياه راكدة، أما (نعم) للتغيير إلى الأحسن، (نعم) للحراك الاجتماعي أو الثقافي فهي لا تعجب الكلاسيكيين والنمطيين، فهل آن للقلم أن يستريح، وللحرف أن يسكن، لعله يجد مخرجًا..؟! والله المستعان. [email protected]