فؤاد غزالي أمين العاصمة المقدسة الأسبق : لم أطبق منحتي في مكة.. وخلافي مع رجال الأعمال بسبب المصالح

أكد معالي الدكتور فؤاد غزالي الأمين السابق لأمانة العاصمة المقدسة في مكة أن الصراحة والشفافية تأتي في قائمة أولوياته في عمله وحياته ، ةلذا لم يتردد في بيان كل ما نريد أن نسأله فيه ، وقد نفى تلك الاتهامات التي توجه إليه بخصوص المنحة التي حصل عليها في مكة المكرمة، مبينًا أنه الوحيد ممن جاءتهم منح من طلب أن تكون منحته في مدينة جدة، . كذلك أشاد غزالي بالتوسع الكبير الذي حدث في الجامعات السعودية، واصفًا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله برائد هذا التوسع، مؤكدًا أن هذه الجامعات لا تحتاج إلى التخصص، والتركيز على جانب معين من الدراسة، كما أشادفي حواره لنا بفكرة فصل هيئة تطوير مكة المكرمة عن مثيلتها في المدينة المنورة، مبينًا أن هذا الفصل جهد يحسب للأمير خالد الفيصل الذي صحح هذا المسار، بما يعمل على تركيز الجهود، وخدمة مكة بصورة أكبر.. و طالب أمناء المناطق بضرورة وضع خطط إستراتيجية، وعدم الركون إلى الروتين المعتاد في تنفيذ الطلبات، مبينًا أن المخططات الإقليمية في المدن الكبيرة، مع المرصد الحضري من شأنها أن تحدث التطور المستقبلي المطلوب في هذه المناطق المختلفة.. تجربة فؤاد غزالي في الجامعة، وما أنجزه إبان توليه منصب أمين العاصمة المقدسة، وأسباب خلافه مع رجال الأعمال بمكة المكرمة، وغيرها من المحاور الأخرى بين أقواس هذا الحوار..
* شغلتم منصب أمين العاصمة المقدسة.. فكيف ترون تلك التجربة؟
تجربتي كانت ثرة؛ وتعلمت فيها الشيء الكثير. العمل كأمين مدينة عمل متنوع؛ حيث تتعامل في جميع المجالات كالتخطيط والصحة وصحية البيئة والاستثمار ومجالات خدمة المواطن بجميع طبقاته وبالذات الأمانات في المدن الكبيرة. ومكة بطبيعتها تختلف عن بقية المدن لأن بها مواسم مثل موسم الحج؛ كما أنها ترعى مكة ومنى وعرفات كل القوات تستنفر لهذه الفترات لخدمة الحجيج...
تخطيط واستراتيجيات
* كنت وكيلاً للجامعة للبحث العلمي وطبيعة هذا المنصب به شيء من الهدوء والفكر المنظم وفجأة انتقلتم إلى العمل في كرسي ساخن حيث قضايا المواطن والتعامل المباشر مع الجمهور.. كيف كانت هذه النقلة من كرسي علمي هادئ إلى كرسي جماهيري يدور حوله كثير من الجدل؟
سؤال هام جدًّا. كرسي أمين المدينة كرسي ساخن جدًّا حيث هناك ضغوط عمل وضغوط نفسية وقضايا لا تنتهي ومقابلة الجمهور والصحافة. لكن أعتقد أن من ينسى نفسه وينفعل مع سخونة الكرسي الذي يجلس عليه يعمل لأجل تسيير الأمور فقط مثل قضاء خدمات المواطنين والمعاملات الروتينية. هذا جانب هام لكني أعتقد أنه لا يمثل سوى 50% من عمل الأمين والبقية تتعلق بالتخطيط والاستراتيجيات وتنفيذها بهدوء وحل المشكلات وعمل مشاريع أخرى تكون سببًا في عدم ظهور مشكلات مستقبلية. عندما يغفل أمين المدينة هذا الجانب تنتهي فترة عمله في هذا المنصب دون أن تكون له بصمات وإنجازات تخدم المدينة.
مدينة بلا هيكلة
* عملت في الجامعة وكانت أمامك المعايير العلمية الثابتة.. فكيف واجهت الضغوط والتحديات مع أصحاب المصالح ورجال الأعمال والمواطنين كأمين للعاصمة ؟
طبيعة العمل السابقة ساعدتني كثيرًا في عملي كأمين؛ لأن الجزء المرتبط بالدراسات والتخطيط والبحوث ضروري جدًّا في عمل أمين أي مدينة. كوني كنت مسؤولاً في جامعة الملك عبدالعزيز كوكيل للدراسات والبحث العلمي ،عندما وصلت الأمانة لم أجد أي مخطط هيكلي. الميكنة لم تكن موجودة بالمعنى المعروف إلا في إطار محلي بسيط. كثير من الدراسات الخاصة بتقاطعات أو كباري بحيث تسهل الحركة المرورية كانت غير موجودة. بدأنا في تغطية كثير من الجوانب التي يمكن أن تساعد في فك الاختناقات المرورية وتسهيل حركة المركبات والقضاء على المشاكل البيئية. ركزت بصورة رئيسية على المخطط الهيكلي وأعطيته جهدًا كبيرًا وكوّنت له فريق عمل برئاستي ويضم عددًا كبيرًا من أعضاء هيئة التدريس في مجال التخطيط في جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة أم القرى. هذا إلى جانب بعض الإخوة الذين لهم باع في التخطيط والذين لهم تعلق بمكة المكرمة مثل المهندس عبدالعزيز كامل رحمه الله، إضافة إلى مكتب استشاري هو مكتب علي الشعيبي وكانت مهمته تلقي العصف الذهني الذي كان يتم بواسطة هذا الفريق وترجمته وعرضه في الاجتماع القادم. استمر هذا الوضع حتى انتهينا من إنجاز المخطط الهيكلي وهو عبارة عن دراسات في فترة قياسية. البداية كانت صحيحة ولم تكن مجرد عمل رسومات نقضي الوقت في تعديلها، إنما بدأنا بالميكنة وتمكننا من ميكنة جهاز التخطيط العمراني وأدخلنا فيه ال GIS وقمنا كذلك بميكنة كل الرسومات وإدخالها في الحاسب الآلي. في ذلك الوقت كان هذا الجهد يعتبر شيئًا حضاريًا. الأوضاع الآن تطورت كثيرًا عما كانت عليه قبل 14 عامًا. في ذلك الوقت عندما تنجز مثل هذا العمل تكون إنسانًا على مستوى عالي من الفكر..
* لكنك كنت مستشارًا في أمانة جدة قبل أن تصبح أمينًا للعاصمة المقدسة ألم تفكر في هذ العمل ؟
عندما كنت وكيلاً لكلية الهندسة، كنت مستشارًا للمهندس محمد سعيد فارسي ولكن مختص فقط بالقواعد والأساسات والتربة. كانت له طريقة مميزة. قال لنا أنتم مستشارين لي والمدينة كلها تحت أنظاركم ومهمتكم أن تراقبوا الوضع وتتقدموا بالاقتراحات ولن أحول لكم معاملات إلا في حالات نادرة. كان يعقد لنا اجتماعًا كل أسبوعين في منزله بشارع فلسطين وكان بيتًا جميلاً مليئًا بالزهور والورود. كنا نجتمع في بيته وكنا مجموعة. في العمارة كان هناك المهندسون فاروق مفتي وعبدالعزيز داغستاني وسليمان النوري وشخصي في الإنشاءات. كنا نجتمع ونعطيه آراءنا ومقترحاتنا مكتوبة وكانت تفيد في أشياء كثيرة.
أفضل الأمناء
* كيف وجدت العمل مع المهندس محمد سعيد فارسي؟
أعتبره قمة في كل شيء. وبتفكيره سبق زمنه كما يقولون. عندما قام بتخطيط جدة ترك المنطقة التي بها مشكلات وقال إن حلولها ستكون آنية وتأخذ وقتها ولكن من المهم أن نبدأ بالمناطق الرئيسية التي ليست بها مشكلات. بدأ بالكورنيش وقام بالمحافظة على الواجهة البحرية للمدينة والخطوط الطولية الرئيسية طولاً وعرضًا .
* لكن الآن هناك من يتحدث عن أخطاء كثيرة ارتكبت في تلك الفترة؟
أعتقد أن المهندس محمد سعيد فارسي في عهده والوقت الذي كان فيه أمينًا لمدينة جدة قام بعمل ما لم يستطع ولن يستطع أحد أن يعمله في ذلك الزمان. ربما تكون هناك أخطاء في جوانب معينة لكن لا أعتقد أن هذا شيئًا مقصودًا إنما الرجل حاول بقدر الإمكان الاستفادة من الوفرة الموجودة في المالية وأن يستفيد من علاقاته الجيدة مع المسؤولين في الدولة وأفاد المدينة إفادة كبيرة. وجود الميادين الكبيرة في الوسط ربما ينظر له البعض بصورة سالبة، لكن يكفي أنه حافظ على مساحات كبيرة جدًّا تمكن الاستفادة منها في عمل الأنفاق والكباري. شخصيًا أعتبره من أفضل الأمناء الذين مروا على مدينة جدة من ناحية التخطيط خاصة في تلك الفترة التي تعتبر فترة نمو المدينة وتوسعها وفترة الطفرة. كان من الممكن أن يكون هناك أمين راكد ولا يقوم بالجهود التي قام بها فارسي، قضية الصرف الصحي لم تكن تابعة له وإنما لإدارات أخرى لا استطيع الحديث عنها لأني لا أعرف طبيعة ظروفها. لكن لم يتم إنشاء الشبكة. كان لمدينة جدة أن تحصل على الأفضل لو حدث تناغم بين الأمانة والمسؤولين عن الصرف الصحي
* لم تركت الأمانة،، هل هناك خلاف ؟
نعم تركت الأمانة لكن ليس لخلاف، ولكن نسبة لكثرة مشغولياتي العلمية بعد أن أصبحت عميدًا للكلية وكنت رئيسًا لنصف اللجان في الجامعة. كنت مشغولاً جدًّا ولم يعد لي متسع حيث كنت أيضًا مستشارًا لوزارة الدفاع والطيران.
ترشيح وتزكية
* كيف انتقلت للعمل في الأمانة ؟
لم يكن لي علم بالأمر إلا قبل ظهور اسمي بشهرين. كنت قد عينت في 1416ه وكيلاً للجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي. كان لدي تصور وخطط لتطوير الوكالة بحكم أنني في كلية الهندسة وأرعى كثيرًا من الأنشطة التقنية ففكرت في استخدام التقنية في تسهيل كثير من الأمور التي كانت تأخذ وقتً طويلاً باستخدام بنوك المعلومات وكتابة المحضر في نفس اليوم وإرساله لمدير الجامعة حتى يأتي الاعتماد في اليوم التالي. تصوري كان أن هذا المنصب الذي وضعتني فيه الدولة هو منصب مهم وحيوي وتوقعت أن أخدم فيه لفترة طويلة وأكمل فترة ثلاث سنوات على أقل توقع وأن يتم التجديد لي لفترة أخرى حسب أدائي. كنت أفكر في الأمر من هذه الزاوية. كنت أعتقد أنه لو أتاني منصب كبير فسوف يكون عندما يتقاعد الدكتور غازي عبيد مدني لأنه كان من المحبين لي وهو الذي رشحني لوكالة الجامعة. توقعت أنه عندما يتقاعد فسوف يرشحني للعمل كمدير جامعة. لم يدر في خلدي أبدًا أن يتم ترشيحي لأكون أمينًا للعاصمة المقدسة. وقد دعاني الدكتور أسامة شبكشي وزير الصحة وطلب مني الحضور وقال لي إنني مطلوب للعمل في موقع آخر غير جدة، فقلت له إنني لم أتوقع ذلك وأتوقع استمراري في الجامعة. أخبرني بأني أحد المرشحين لأصبح أمينًا للعاصمة المقدسة. فقلت له إن هذا شرف كبير لكني أعتقد أن مجالي مختلف. فقال لي إن وزير الشؤون البلدية والقروية سوف يستدعيني ليبلغني بترشيحي وطلب مني عدم الاعتذار عن المنصب وأن ذلك شرف كبير فوافقته على أن العمل في مكة شرف فعلاً، وأن اختيار ولاة الأمر لي للعمل فيها شرف كبير جدًّا. بعد ذلك ذهبت لمكتب وزير الشؤون البلدية والقروية وقابلت الدكتور محمد إبراهيم الجار الله، فقال لي إنني أحد المرشحين للمنصب والأمر تحت نظر الملك فهد وأنهم أرادوا سؤالي بصفتي أحد المرشحين ويريدون معرفة موافقتي. عملت بتوصية الدكتور أسامة شبكشي وقلت له إنه شرف لي أن أخدم بلدي وأن ألبي طلب خادم الحرمين الشريفين لو طلبني للعمل في هذا المنصب.
* من رشحك للأمانة؟
إلى الآن لا أعلم من رشحني ولكن هناك مؤشرات تشير إلى أن الترشيح الأولي من الدكتور غازي عبيد مدني إذا كان قد سئل كمدير جامعة لأن يرشح لهم أحد منسوبي الجامعة. أعتقد أن الدكتور غازي رشحني للمنصب مع أنه في أمس الحاجة لأن أكون معه في مسيرته في إدارة الجامعة. صرَّح لي بعد ذلك أنه وجد أن مكة تستحق أن يعمل فيها شخص مثلي وأن يكسب أجرًا في تخليه عني من العمل في الجامعة وأن أذهب للخدمة في مكة المكرمة وأخدم الحجاج والمعتمرين وأنني كل ما أنجز عملاً يصيبه أجر. الأساس ربما كان هو الدكتور غازي عبيد مدني الذي كان له علاقة مميزة بالأمير ماجد. شخصيًا لم تكن لي علاقة متميزة معه إلا في الندوة العالمية للطاقة التي أقامتها كلية الهندسة بالجامعة. كنت رئيسًا للجنة التنظيمية ولأن الأمير ماجد يحضر هذه المناسبات فقد تعرف علي من خلالها. في ذلك الوقت كان أمير المنطقة والوزير المختص يستشاران في هذه الترشيحات. أعتقد أن الأمير وافق على اسمي ضمن الأسماء. كذلك لي صلات محبة عميقة مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز من خلال مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، وتربطني مع الأمير سلطان بن سلمان علاقة صداقة وكنت أحد أمناء مركز أبحاث الإعاقة وكان ذلك في بداية إنشاء المركز. كنت أحضر اجتماعاتهم بشكل أسبوعي وربما أسهم ذلك في دعم ترشيحي.
أهم المنجزات
* ما هي أبرز القضايا التي واجهتك في الأمانة وكانت المحور الأساسي لعملك وتعاملت معها بقوة؟
هناك كثير من القضايا، الموضوع الأول هو موضوع تخطيط المدينة ووجود أساس رئيسي لذلك. أعتقد أن أهم منجز لي في مجال تخطيط مدينة مكة المكرمة أنني قمت بجمع كل الدراسات السابقة التي أنجزت ولم تكن تغطي كل المدينة وأعددت المخطط الهيكلي لمكة المكرمة. هذا العمل يسمى الجانب التخطيطي. بعد ذلك بدأنا في دراسات مكثفة للمنطقة المركزية لمكة المكرمة وانتهينا من جزء كبير منها. كل هذا من خلال العصف الذهني مع الإخوان الذين قلت لكم إنهم كونوا مجموعة متكاملة من الخبراء والاستشاريين. وهناك جانب هام وهو أنظمة البناء حيث لم يكن هناك نظام بالمعنى المعروف بل كان هناك نظام قديم وغير فعال. قمت بإيجاد نظام بناء فعال وأساسه العدالة والمساواة لجميع من يتقدم بطلب لتصريح بناء في مكة المكرمة سواء في المنطقة المركزية أو في المناطق الأخرى. كذلك عندما جئت لأمانة العاصمة لم تكن هناك أي منح وكان الناس الذين ينتظرون ظهورها يعدون بالآلاف. سعيت بشدة لخدمة هؤلاء وإسعادهم. رغم وجود من يقولون بعدم وجود أراضي حكومية في مكة إلا أننا وجدنا أراضي حكومية بمساحات كبيرة جدًّا وليس لها أي ارتباطات إنما هي ادعاءات. من هذه المناطق مخططات ولي العهد 1 و 2 و 3 و4 و5 و 6 وهذه كانت في حدود 50 ألف منحة. قمنا بتخطيط الأرض وأجرينا الدراسات اللازمة ورفعنا بذلك للجهات المسؤولة. في عهدي فقط قمنا بتوزيع حوالي 15 ألف منحة. وكذلك في عهد الدكتور خالد نحاس تم توزيع 20 ألف منحة ولا زال العمل فيها مستمرًا حتى الآن. بعض القطع في مخططات ولي العهد وصل سعرها إلى مليوني ريال في السوق. الملك عبدالله حفظه الله كان يتابع هذا الأمر وأرسل لي الأخ إبراهيم الطاسان عدة مرات للاستفسار عن حديقة ولي العهد. الملك اهتم بالأمر وزارني الطاسان كثيرًا لدرجة أننا اجتمعنا في منزلي وأريته المخططات والحديقة. الحمد لله الذي وفقنا لإسعاد حوالي 40 ألف أسرة. هناك جانب رئيسي آخر هو الميكنة. كان هناك كومبيوتر رئيسي داخل الأمانة. ألغينا فكرة الكومبيوتر الرئيسي وأنشأنا مبنى خاص لمركز المعلومات ووضعنا فيه نظام اتصالات الشبكات. قمنا بعمل شبكة تغطي الرئاسة الفرعية مع خدمة الكومبيوتر داخل الأمانة. يمكن استخدام هذه الشبكات لأداء ما تريده في إدارتك وتتصل بالمركز الرئيسي. أحد الأشياء التي أفتخر بها أنني بدأت في عمل اتصال لهذه الشبكة مع إدارات أخرى. هذا كان مع المهندس جمال حريري، خاصة في ما يتعلق بعمليات الإصحاح البيئي، سواء كان تراخيص المحلات التجارية أو رخص الصحة البيئية للعاملين. اكتشفنا كثيرًا من الشهادات المزورة، لكن بعد ذلك قضينا على هذه الممارسات. هذه من الأشياء الرئيسية التي حرصت على إنجازها.
* ما هي الأمور التي لم تستطع إنجازها وواجهتك مشكلة في سبيل ذلك؟
أن تخطط وتنفذ فهذه عملية تحتاج إلى وقت طويل. كثير من الأعمال التي كنت أود القيام بها في مكة المكرمة لم تتح لي الفرصة الكاملة لإنجازها لقصر فترة عملي حيث لم أعمل لفترة ثانية. كانت هناك اجتهادات حاولنا القيام بها لكنها تحتاج لأكثر من صلاحيات أمين العاصمة المقدسة
الجامعة الحقيقية
* هل ندمت يومًا لأنك عملت كأمين للعاصمة المقدسة؟
أبدًا لم أندم.
* رغم أنك تركت الجامعة؟
لم أندم أبدًا.
* هناك من يرى أن العمل كأمين للعاصمة المقدسة قطع مشوار الدكتور فؤاد غزالي وحرمه من منصب مدير الجامعة؟
أعتقد أن الجامعة الحقيقية التي علمتني كثيرًا من الأمور التي كنت أغفلها هي أمانة العاصمة المقدسة. تعلمت كثيرًا من الأمور لأن أعمال أمين المدينة متشعبة وواسعة جدًّا وفي جميع المجالات. العمل يكون دائمًا تحت ضغط وهذا يحتاج إلى قدرات خاصة ويساعد على إظهار المواهب.
* كيف استقبلك المجتمع المكي خاصة وأنت أتيت من مدينة جدة؟
أصولنا في الأساس من مكة المكرمة وكل إقامة الوالد كانت بها. عندما أتى إلى مدينة جدة تزوج فيها وولدنا نحن هنا في جدة وفيها درسنا ومنها ابتعثنا ولذلك عدت إل جامعة الملك عبدالعزيز وعملت بها. لكن أصولنا ترجع إلى مكة المكرمة. لذلك أعتقد أنه كان استقبالاً مقبولاً إلى الحد البعيد وعندما رأوا رغبتي الجادة في خدمة مكة المكرمة وأهله والقيام بواجبي وسمعوا بأني كنت متميزًا في الجامعة وكنت أقوم بإنجاز الأعمال التي توكل لي كان هناك نوع من الترحيب بي.
* هل حدثت لك اختلافات مع رجال الأعمال في مكة المكرمة؟
من الطبيعي أن كون هناك خلافات، لاسيما إذا كانت للبعض مصالح معينة وطلبات محددة وتتم مواجهته من أمانة العاصمة بأن النظم واللوائح لا تسمح بإجابتها وتحقيقها يمكن أن يحدث نوع من المواجهة. لكن الحمد لله استطعنا إقناعهم بهدوء وروية أننا في خدمتهم لكن ليس في استطاعتنا أن نوافق على كل الطلبات لأن هناك قوانين وأنظمة ينبغي أن نتقيد بها.
* ما قصة تطبيق المنحة لكم؟
كل أمين يتم تعيينه في أي منطقة من مناطق المملكة وكذلك بقية المسؤولين من وزراء وغيرهم يتم منحهم منحة 10 آلاف متر مربع ويتم تخييرهم بالنسبة للمكان الذي يردونه سواء داخل أو خارج مدينتهم. ربما إنني الأمين الوحيد الذي طلب أن تكون منحته في جدة لأنها المدينة التي أقيم فيها. حتى أكون بعيدًا عن أي شبهات وأنني أطبق أو خلافه. لم أعط منحة في مكة المكرمة ولم أطبق منحة لي فيها. هناك منح باسم زوجتي أو أبنائي لكن بصفتهم مواطنين وتم تطبيقها لهم. لكن لم تطبَّق أي منح لهم داخل المخططات المعتمدة. الكلام الذي يقال من أنني طبقت بعض المنح فهو كلام يخلو من المصداقية وليست له حقيقة. كانت لي أرض اشتريتها وكان بجوارها مساحة جبلية صغيرة ليست ملكًا لأحد وطلبتها من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله بحيث تم تعديل الأرض التي اشتريتها من حر مالي. بعد أن تحرى الديوان الملكي عن قطعة الأرض وتأكد من ملكية الحكومة لها تمت الموافقة بمنحي إياها وكل مساحتها 120 متر وليست قريبة من الحرم بل بعيدة جدًّا لأنها تقع عند نهاية الطريق الدائري الثاني. ولكم أن تتأكدوا من وزارة الشؤون البلدية والقروية وأمانة العاصمة المقدسة إذا كانت هناك أي منحة تم تطبيقها لي شخصيًا. لكن عمل الإنسان كأمين يجعله عرضة للأقاويل والشائعات.
حلقات متصلة
* لماذا نجد أن في عمل غالب الأمناء نوع من القطيعة وكل أمين يأتي يبدأ من الصفر وليس من حيث انتهى سلفه.. ؟
كل شيخ له طريقته. بالنسبة لي عندما توليت أمانة العاصمة المقدسة لم أغفل أي شيء قام به الأستاذ عمر قاضي الذي سبقني وقمت بجمع كافة الدراسات التي تمت بخصوص تطوير مكة وغيرها وكان آخرها دراسة عن مخطط المنطقة المركزية. لذلك لم أغفل أي شيء قام به من سبقوني. عندما بدأنا في المخطط الهيكلي لم نبدأ بالصفر بل من حيث انتهى من سبقوني من أمناء سابقين، سواء المهندس عمر قاضي أو من سبقه. كل القضايا التي بدأها المهندس عمر قاضي كنت أقوم بإكمالها. كذلك كنت في فترتي الأولى أزور الأستاذ عمر قاضي في منزله وأستشيره في كثير من القضايا. كشيخ كنت مؤمنًا بعدم البداية من الصفر وأن أستفيد ممن كانوا قبلي. المهندس عمر قاضي بقي تسع سنوات كأمين للمدينة وأنجز خلال هذه الفترة الكثير وهذا ما لا يمكنني تجاهله بجرة قلم. الدكتور خالد نحاس عندما أتى للأمانة طلب استشارتي في كثير من الأمور وكان يصل بي شخصيًا حتى إنني عندما سافرت إلى الولايات المتحدة كان يتصل بي هناك ليسألني عن بعض الأمور والقضايا. نظام المباني تم اعتماده في عهد الدكتور خالد نحاس لكنني من قمت بإعداده ولم أكمل المشوار.
* كيف ترى أعمال هيئة تطوير مكة المكرمة؟
أعتقد أن الشكل الحالي للهيئة هو الذي ينبغي أن تكون عليه لأنها كانت موسعة في الأول، حيث كان مكة المكرمة والمشاعر والمدينة المنورة مدمجة. عندما تم الفصل وصارت مكة والمشاعر كهيئة منفصلة والمدينة المنورة هيئة منفصلة حدث تركيز كبير للعمل. حتى تمكن من تغطية منطقة مكة المكرمة كان ذلك يشكل عبئًا كبيرًا. عندما تم اقتصارها على مدينة مكة المكرمة مع المشاعر حدث التطور وصار خطوة ممتازة للحد البعيد ويشكر عليها ولاة الأمر وخصوصًا الأمير خالد الفيصل على سعيه الحثيث لتصحيح المسار. أن تكون الهيئة برئاسة أمير المنطقة فهذا يعطيها زخمًا كبيرًا لأن أمير المنطقة هو المسؤول عن التنمية وعن التخطيط الذي يحدث في المنطقة. لذلك فإن أي عامل تبع لذلك نبغي أن يكون بمباركة أمير المنطقة...
* ألا ترى وجود ازدواجية بين عمل الهيئة وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى مثل أمانة العاصمة المقدسة؟
أبدًا، لأن الهيئة تعنى بالجانب التخطيطي العام الذي يربط المشاعر مع مكة المكرمة أما التنفيذ فهو مسؤولية أمانة العاصمة. الهيئة في الأساس عندما تنظر لتكوينها تجد أن رئيس هيئة مكة هو أمير المنطقة وأحد الأعضاء الرئيسيين هو أمين العاصمة المقدسة. لذلك فإن أمين العاصمة يشارك في التخطيط ولا يتم أي شيء إلا بعد أخذ رأيه ومشاركته، وكذلك فإن التنفيذ كله متروك للأمانة. العمل كله عبارة عن تخطيط ومشاريع تتم الموافقة عليها سواء كانت تطويرية أو خلافه.
رائد التوسع الجامعي
* كيف ترى التوسع الحالي في الجامعات؟
نشكر خادم الحرمين الشريفين أطال الله عمره ونسأل الله له الصحة والعافية ورجوعه بالسلامة. الملك عبدالله يعتبر رائد توسع الجامعات بعد فترة شعرنا أنها عنق الزجاجة. هذا الوضع كان يسبب ضيقًا لأولياء الأمور. التوسع كان في زيادة عدد الجامعات، والجيد في الأمر أن هذه الجامعات ستنشأ في مناطق كان أبناؤها يضطرون للذهاب إلى منطقة مكة المكرمة أو الرياض أو المنطقة الشرقية. الحمد لله أصبحت هناك جامعات في تبوك والقصيم وجيزان وغيرها.
* هناك من يخالف هذا الرأي ويرى أن التوسع كان ينبغي أن يكون في التخصصات وألا تكون البداية من الصفر وأن تكون هناك جامعات متخصصة . ما هو رأيكم؟
لا أوافق على هذا الرأي. عندما تتحدث عن تخصص معين فهذا يعني أن طلابك سيتخرجون من مجال واحد. ليست لنا إمكانات زراعية بحيث يصبح كل خريجي جامعة كاملة في مجال الزراعة. عندما تتحدث عن منطقة مثل الولايات المتحدة التي هي عبارة عن قارة بها (51) ولاية قد يكون هذا الرأي صحيحًا. نحن نتحدث عن دولة عدد سكانها (24) مليون وأراضي شاسعة واسعة. ما تحتاجه في خريج أن تقوم بتخريجه في تخصص عام. ينبغي تكثيف الجوانب التطبيقية. ولكن لا تخرج عن التخصصات المعروفة. عندما يتخرج الطالب ويبدأ العمل لا بد له من تلقي التدريب اللازم في مجاله. هناك دورات تدريبية متخصصة يمكن أن تعيد تدريبه إذا تم تكثيف الجرعات المعلوماتية والتدريبية. عندما نتحدث عن متطلبات الجامعة نجد مواد الثقافة الإسلامية واللغة العربية والفيزياء والكيمياء. عندما يتخرج الطالب يمكنه أن يبحث عن المجال الملائم له.
* أستغرب تبنيك لهذا الطرح وأنت خريج جامعة متخصصة ومع ذلك تؤيد السير على نسق جامعات لم تقدم لنا سوى البطالة؟
لا يمكن قول ذلك. تخرجت من جامعة البترول والمعادن. الاسم كبير ويشعرك بأن الكلية والجامعة متخصصة فقط في البترول والمعادن. كثيرون كانوا يعتقدون في الماضي أننا تابعون لأرامكو لكن الجامعة لم تخرج عن النسق الرئيسي الذي ذكرته لك. الجامعة قامت بتخريج طلاب في تخصصات مثل الهندسة والعلوم بأشكالها المختلفة لكنها جامعة على نفس النسق الموجود في بقية الجامعات السعودية. يمكن أن تكون هناك معاهد تدريبية خاصة لهذه الجامعات. جامعة البترول كان بها معهد للبحوث وكان إلى جانب التدريب يقوم بإعداد بحوث مدعمة ومدفوعة الأتعاب. كانوا يستغلون طلبة الدراسات العليا للعمل كباحثين في هذه البحوث.
قصور المهن اليدوية
* ما تفسيرك لقصور التعليم التقني وأنت خبير وعميد في كلية الهندسة؟
لا يمكن أن نسمي ما يحدث قصور. ولكن الأمر يحتاج إلى مبضع الجراح وإلى مراجعة شاملة. ينبغي أن ندرك كيف نعيد تأهيل هذه المعاهد التي يمكن أن تساعد في تخريج أصحاب المهن اليدوية. لو كانت المؤسسة العامة للتعليم التقني والتدريب المهني وهي تابعة لوزير العمل المهندس عادل فقيه الذي لا يخفى عليه الوضع لأنه إنسان مثقف لا تخفى عليه أهمية العصف الذهني والأفكار الجديدة. لو قاموا بتشكيل مجموعة من خبراء في مختلف المجالات للقيام بدراسة واقع التعليم التقني والفني والإيجابيات والسلبيات الموجودة وكيفية الاستفادة القصوى من الإمكانيات الموضوعة في هذه المؤسسة لصالح الخريجين وتوجيههم ليكونوا فاعلين..
* هل أنت مع الرأي المطالب بإلغاء هذه المؤسسة لأن هناك من يرى أنها لم تنجز شيئًا طوال عمر مسيرتها؟
لست من يمكن أن يفتي بذلك وهناك من هم أقدر مني على ذلك، لكني أقترح للأخ الوزير والأخ الغفيص رئيس المؤسسة أن يحاولوا الخروج عن نطاق المقترحات والدراسات والتقييم الذاتي من داخل المؤسسة وأن يخرجوا إلى نطاق أوسع بحيث ينتقوا شخصيات متنوعة لإجراء هذا التقييم. يمكن أن يكون من بينهم بعض الصحفيين الذين كتبوا في هذا المجال والاستعانة بعمداء سابقين في كلية الهندسة. هناك كثير ممن تخرجوا في هذا المجال من جامعات ألمانية وبريطانية وأوروبية وأمريكية. يمكن تجميع هذه الشخصيات ليبحثوا في الأمر وينظروا في إمكانية وضع الحلول وهل يمكن للقطاع الخاص أن كون له مساهمة. ينبغي تكوين هذا الفريق واختيار قائد له بحيث يتاح للجميع إبداء آراءهم بدون حجر أو وصاية.
مخطط مستمر
* أنت أحد أعضاء مجلس منطقة مكة. كيف ترى المخطط الإقليمي لمنطقة مكة الذي كثر الحديث فيه؟
المخطط الإقليمي هو الأساس في التنمية لأي منطقة وهو عبارة عن المشاريع الحالية والمستقبلية التي ستنفذ. المخطط الإقليمي الحالي بذل فيه جهد كبير جدًّا لإعداده بالتصور الحالي. المخطط الإقليمي يجب أن لا ينجز لنتفرج عليه بل هو عملية مستمرة. لا بد أن يتم تحديث هذا المخطط باستمرار لمعرفة المشاريع التي تم تنفيذها والتي ستنفذ وكذلك الزيادة في عدد السكان والمشاكل التي ظهرت مؤخرًا. المخطط الإقليمي هو عملية مستمرة ومتواصلة. إذا توقفت عن المسايرة والتحديث لن يكون لديك مخطط إقليمي
* بمعنى أن تكون هناك إدارة مستقلة لهذا المشروع؟
نعم وتكون مهمتها العمل على عدم تجاهل هذا المشروع الحيوي الذي بذلت فيه جهود مضنية وأموال ضخمة. لا بد لهذا المخطط من التحديث الدائم لتعديل ما تم وما سيتم وكيفية تعديل القصور الذي حدث في بعض المشاريع. المخطط الإقليمي عبارة عن خطوة رئيسية تتبعها خطوات أخرى. هناك ما يسمى بالمخطط شبه الإقليمي وهو يعد عادة بواسطة المدن الكبيرة. المخطط شبه الإقليمي لمدينة جدة والمناطق المحيطة بها يعطيك تفاصيل أكثر. في مدينة مكة المكرمة أيضًا لا بد أن يكون هناك مخطط شبه إقليمي. لا بد لكل المدن الكبيرة أن تكون لها مخططاتها شبه الإقليمية الخاصة بها. مدينة جدة تتبع لها في جانب الشؤون البلدية والقروية حدود إدارية لمحافظات أخرى مثل القنفذة ورابغ والليث وهي كلها تدخل ضمن المخطط. عندما يعد المخطط الإقليمي لا يعد هباءً وإنما تكون أساسه المخططات الهيكلية للمدن. عندما بدءوا في المخطط الإقليمي في مكة المكرمة كان ذلك هو الخطة الثانية بعد أن قمت بعمل المخطط الهيكلي. المخطط الإقليمي في المقام الأول والأخير هو عبارة عن عملية متواصلة ومستمرة. الآن في مجلس المنطقة المخطط الإقليمي أساسي جدًّا في جميع القرارات التي تصدر من مجلس المنطقة. الطلبات التي تصدر من الأحياء والمجالس البلدية بإنشاء مدارس ومراكز صحية تحتاج للمخطط الإقليمي لمعرفة الحاجة الفعلية. عندما يتم الرجوع للمخطط الإقليمي تتضح لهم الحقيقة ويعرفوا مدة الحاجة للطلب المقدم. لذلك فالمخطط الإقليمي هو الأساس لاعتماد طلبات المدن والمجالس والمحافظ. المخطط الإقليمي كذلك يحتاج لمرحلية تبدأ من شبه إقليمي ومخططات شبه هيكلية للمدن والآن بدأ نوع آخر هو المرصد الحضري.
-------------------
غزالي أمين العاصمة المقدسة
ولد الدكتور فؤاد محمد غزالي بمدينة جدة في العام عام 1370 ه الموافق 1950، تدرج في المراحل التعليمية المختلفة، ليتوج جهد بالحصول على شهادة البكالوريوس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في العام 1393ه، ثم الماجستير في تخصص الهندسة المدنية من جامعة واشنطن سياتل في العام 1398 ه، ليكلل جهده العلمي بنيل درجة الدكتوراة في العام 1401ه. خلال مسيرته العملية عمل الدكتور غزالي مهندسًا ومشرفًا على مشاريع الطرق والجسور بوزارة المواصلات في العام 1393ه، ثم انتقل منها إلى جامعة الملك عبدالعزيز في وظيفة معيد بكلية الهندسة، ثم أستاذًا في سنة 1401ه بعد نيله درجة الدكتوراة، واستمر بالجامعة حتى تولى منصب عميد كلية الهندسة في العام 1413ه، ليتم من بعد تعيينه وكيلاً للجامعة والدارسات العليا والبحث العلمي في العام 1416ه، ثم غادر الجامعة ليتولى أمانة العاصمة المقدسة منذ العام 1418ه وحتى 1422ه.. وخلال هذه السنوات الزاخرة بالعمل شارك الدكتور فؤاد غزالي في العديد من المؤتمرات العلمية والهندسية.