تمر المجتمعات أحيانا بمرحلة من الترهل الفكري وضعف الحراك الثقافي. الأمر الذي يؤدي إلى استسهال صك المصطلحات وتلميعها ومن ثم توزيعها على خلق الله (وما بعنا بالكوم إلا هاليوم)! وبالتالي تؤدي مثل هذه الممارسات غير الأمينة إلى تزييف الحقائق والتلاعب بالمفاهيم، بعيدًا عن العمل الفكري الجاد، ويصبح كل من هب ودب “منظراتي”، ونصل إلى مرحلة احتقار عقلية المتلقي، والخاسر في النهاية هي الساحة الثقافية. مرحلتنا الثقافية الحالية تؤكد الحاجة إلى ناقد أمين وشجاع، يشرّح الواقع ويحلّل الوقائع ويدرس الظواهر وصولًا إلى نتائج موضوعية تشكّل إضافة نوعية ورؤية متجددة تدفع إلى مراجعة ما نحن فيه، ويثير التساؤلات الحقيقة كي يشارك الجميع في حوار صحي وجاد يحترم ذاته وبالتالي يحترم المتلقي. أشعل الناقد د.عبدالله الغذامي في الآونة الأخيرة الساحة الثقافية بشكل إيجابي، وحرك البركة الراكدة حول قضية المصطلحات وتطبيقاتها على الواقع. وهو ما نحتاجه من شخصية علمية رفيعة تبتعد عن الاصطفافات وتترفع عن معارك التيارات الصغيرة، وتتحمل في نفس الوقت تبعات طرح الحقائق وتسمية الأشياء بمسمياتها وما يلحقها من اتهامات وتأويلات يُصلى بها من كل طرف. استخدم الغذامي الأدوات العلمية في معالجة مصطلح “الليبرالية” بعيدًا عن الآراء المسبقة، والقوالب الجاهزة، والرؤى المؤدلجة.. الأمر الذي أعطى أطروحته ثقلًا علميًا وأثرًا واضحًا، تعددت فيه دوائر النقاش ومواقع الحوار حول أطروحته، واستدرجت مختلف الأطراف الساكنة والساكتة في الساحة الثقافية لحراك أقرب الى الموضوعية والعلمية منه الى الهجاء والساخر والتخندق مع هذا الطرف أو ذاك. وأعتقد أنه دشن هذه المرحلة باقتحامه تابو “الليبرالية”، وحرّك المظلة التي استظل بها أقوام شتى، دون أن يسائلهم أحد لردح من الزمن، وبالتالي تحمّل الرجل ضريبة ذلك، من ردود فعل متشنجة، وصلت إلى التشكيك في ملكاته العقلية وقدراته العلمية، وأبت المروءة في هذا الناقد النزول إلى درك التراشقات اللفظية والاتهامات الشخصية، حرصًا على الحفاظ على مستوى الحوار. وهنا يقتضي -الواجب العلمي- بقية “النقاد” أن يستعيدوا دورهم، ويقوموا برسالتهم الحقيقية ووظيفتهم المجتمعية، ويتحلّوا بقليل من الشجاعة الأدبية والنزول إلى أرض الواقع والتعاطي بتجرد مع العديد من المظاهر والظواهر الثقافية والتصدي لها بالنقد والتشريح الموضوعي، علنا نرتقي بمجتمعنا. [email protected]