دعا بينالي القاهرة الدولي الفنانين المشاركين في دورته الثانية عشر إلى طرح أسئلتهم الفنية من خلال أعمالهم، ويبدو أن تلك الأسئلة كانت أكثر غموضًا من أن يستطيع الجمهور أن يجيب عنها أو يفهم معنى السؤال ليبحث عن إجابة خاصة به، حيث وضع البينالي علامة استفهام كبيرة على واجهته كشعار للدورة الحالية ليزيد تساؤلات الجمهور حول ما يقدمه الفن من تفاعل مع المجتمع ويمنح المتلقي العادي مفاتيح التمرد على الواقع والإجابة على الأسئلة الكبرى. صدمة فلبينية أسئلة الفنانين حملت من الصدمة أكثر مما حملت مفاتيح الإجابات، لاتجاه أكثر الأعمال إلى الفن المفاهيمي والفيديو آرت وتقلص عدد اللوحات المرسومة يدويًّا، وبدأت الصدمة بعمل كبير احتل مساحة الصالة الأولي في قاعة قصر الفنون بدار الأوبرا المصرية للفنانة الفيليبينية جوزفين تورالبا التي صنعت تمثالًا عملاقًا يمثل محاربًا قديمًا تحولت يداه إلى مخالب حيوان بحري أسطوري وجسده من الجلود بقايا طلقات نارية وفي فمه المفتوح بصرخة تخرج كاميرا صغيرة لتصوير ردود أفعال الجمهور الذي وقف أمامه، وتدور أعمال الفنانة حول إدانتها لسياسة العنف وتبرز آثار هذه السياسة والأمكنة التي تشهدها، في محاولة منها لتحويل حالة التعاطف هذه إلى أسلوب للعلاج وتخفيف المأساة. 3 مقاطع فيديو وبمجرد الصعود إلى الطابق الأول من المعرض تقودك رائحة طعام طازج وقهوة ساخنة إلى عمل مركب فاز بجائزة النيل الكبرى للبينالي للفنانة المصرية أمال قناوي التي اختصت مساحة كبيرة أقامت خلالها نموذج لمنزل استقبلت فيه رواد المعرض وجلست خلف مطبخ صغير تجهز طعامًا وتعرض 3 مقاطع فيديو على شاشات كبيرة مثل غرفة الضيوف، ليزيد التساؤل حول كيفية منح الجوائز في معرض دولي مخصص للفنون التشكيلية وتحولت أكثر الجوائز للفنون المعاصرة، مثل الفائز بالجائزة الكبرى في الدورة السابقة التي ذهبت للفنانة لارا بلدي التي أقامت مبنى غير مكتمل البناء أمام قصر الفنون في ساحة الأوبرا يتداخل فيه أصوات موسيقى كلاسيكية وأسواق شعبية. من أين وإلى أين؟ وفي عمل فاز بجائزة البينالي مناصفة قدمت الأمريكية من أصل لبناني انابيل داوو “من أين وإلى أين؟” في خريطة من الحجم الكبير توثق فيه إجابات وجهتها إلى غرباء يعيشون في مدينتي نيويورك وبيروت عن المدينة التي يقيمون فيها ومن أين جاءوا ثم إلى أين يتجهون، وقامت بتجميع الإجابات لترسم خريطة توضح زمن اللقاء وليس تاريخه، وفي خلفية العمل ينطلق صوت عن نفس الأجوبة لنفس الأسئلة متحدثة لغتين في وقت متزامن. سيخ شواء ومن الأعمال المفاهيمية عرض الكرواتي ميتكو فيكيتش عملًا مجسمًا لخروف يدور على سيخ شواء ويقدم سؤالًا محيرًا عن الأبدية والفرق بين الطبيعي والصناعي فيقدم كائنًا حيًّا صناعة صينية لا يؤثر في إدراكنا لجماليات العمل التي تعبر عن نفسها ويضعنا أمام نصب تذكاري للآلاف من الحملان التي نلقيها في جوفنا أو تلك التي نراها سائرة على جنبات الطرق ومثيلاتها التي ترعى في المراعي الخضراء وتنتظر مصيرها المحتوم كي تشوي على النار ويقول عنها في تعريف فكرته "يدور سيخ الشواء بلا توقف مثل عجلة الزمن الأبدية حيث لا خلاص ولا نهاية ويمثل الحمل الصغير دائمًا عنوان البراءة ورمز لمتعنا الحسية وتقاليدنا العقيمة في بيئاتنا المحلية كما أن الحمل الذي يشوى على الفحم وعظامه وجلده ما هي إلا مفردات لغة تشكيلية تعبر عن الحي والمتوحش والطبيعي". دهشة مستمرة وعلى مساحة جدار كامل نظم البرازيلي مارلون دى أزامبوجا آلاف من أوراق حمراء لاصقة انتظمت بشكل متناسق دون أن يخرج أحدها عن النص وافتعل ارتباكًا بها في منطقة واحدة تناقض الانتظام المفروض على العمل ويقول "مبعث دهشتي هي قدرة بعض العمليات البسيطة والاستراتيجيات التي يتم تنفيذها في المدينة أو في أي مكان ما على التأثير في طريقة أفكار ورؤية الأفراد للأشياء التي حولهم لذا أسعى حاليا للاستفادة من هذه الإمكانيات إلى أقصي حد ". وتنطلق أسئلة ايفيلين ديسمن من لاتفيا من ذاتها حول هويتها فتستخدم تقنيات متداخلة في التصوير الفوتوغرافي بالإضافة لاستخدامها الصوت والعناصر المرئية لتأكيد مفهومها نحو التجارب الإنسانية والوجود الإنساني فتقوم بخلق مساحات من الفضاء تموج بصراعات بين مشاعر حزينة ونقيضها من علاقات السعادة في جو من المرح وخفة الدم. وتقدم الألمانية جوستين أوتو تصوير تأثيري عبر لوحتين تصور الأولى فتاة تقوم بصنع الحبال بكلتا يديها مع آلة وبجوارها أدوات تقليدية، وفي اللوحة الثانية نرى الفتاة رأس طفلة خصلات شعرها قيود تملكها أيدي تجذبها منها، وهي غير راضية عن هذا الجذب القاتل، إنه التصوير السريالي الرامي إلى الرمز إلى تجسيد وتعبير فطن عن معاناة إنسان، وقد تكون الفتاة الطفلة رمزًا إلى أرض مغتصبة، فكرة مكبوتة، حق مسلوب!. ويعرض المصري حلمى التوني في قاعة العرض بمتحف الفن المصري الحديث تصوير زيتي لملكات العصر الفرعوني، ووجوه أنثوية من الحضارة المصرية القديمة من منظور كلاسيكي يتجه إلى الرمزية في لوحة الفناة الفرعونية التي أدارت ظهرها لتنظر إلى الصحراء، وقد تقلدت في يدها اليمنى حلقة تدلى منها مفتاح الإله حورس للحياة وفقًا للأسطورة المصرية القديمة بينما تقلدت في يدها اليسرى حلقة تدلت منها علامة استفهام؟ إنه تساؤل الماضي للحاضر كيف كانت الحياة على هذه الأرض؟!، وكيف أصبحت؟!، قد تكون الإجالة التقليدية "ديناميكيات التغير" ولكني أرى أن لدى التاريخ إجابات أخرى!!. وفي الأعمال المرسومة القليلة في قاعات البينالي يغوص الكوبي نيلس رايس أعماق الطفولة وسبر أغوار نفسية الطفل خاصة هؤلاء الذين يعيشون تحت وطأة البؤس والفقر فأطفاله الذين قدمهم بمساحات كبيرة واحتلت الوجوه مساحة كبيرة من اللوحة،يبكون ويتوسلون المساعدة ومن خلال أعماله يقدم لنا أطفالا قطبت جبينها وفغرت فاها لشعورها بالمرارة والإرهاق ومحبطة تتألم في صمت حتى لا تشعر بالعجز إذا ما كشفت عن ضعفها ولعب دور المحلل النفسي في تشخيص معاناة الطفل دون أن يدعوه ليعلن أسباب معاناته. واستلهم الكندي ماثيو كارفر عمله من المواجهات التي اندلعت بين المتظاهرين وبين قوات مكافحة الشغب خلال قمة دول مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة "ترنتو" الكندية في الصيف الماضي وهناك مشاهد أخرى لبعض المتظاهرين يقفون أمام إحدى محطات الوقود في مدينة برلين الألمانية خلال أحداث عيد العمال ويقدم أعماله بالحجم الكبير لمشاهد المدينة بعد أن يغير من طبيعتها لتبدو في صورة غريبة تحت وطأة الرأسمالية المتطرفة.