(1)ثقافتنا:رؤية عامة ثمة أطياف ثقافية في بلادنا تطل على(السطح)بين الحين والآخر(احتفالات تراثية-معارض للكتاب وأخرى للفنون التشكيلية-أمسيات شعرية-محاضرات أدبية وفكرية..)ولكني أزعم مع صخب تلك الأطياف بهشاشة تأثيرها الإيجابي في إنتاج ثقافة حقيقية تلامس شغاف العقول الباحثة عن المعرفة..ولذلك فإنه في لحظة ما,يمكن صياغة خطاب ثقافي خالص بكل تجلياته المطلوبة ,يمنح تلك الفعاليات(العابرة)رسوخا وتأثيرا في ذاكرة الوعي الفردي والجمعي على السواء, بشرط تحقق شرطين حاسمين,أولهما-كما يبدو لي-توفر القناعة الداخلية للفرد داخل مجتمعنا بأن لمعطيات الثقافة الدور الحاسم دائما في صنع الحضارة الانسانية من خلال إيجاد الأداة الفاعلة لبناء وعمارة الأرض,فلا يجدي أبدا أن نكتسب هذا الكم الهائل من المعلومات بداية من مؤسساتنا التعليمية والاعلامية,ونحن لانعي الغايات المعرفية لتلك العلوم وثقافة إنتاجها,فلا يجدي أن نمارس مخرجات الثقافة من تقنيات ومخترعات شتى,ونحن لم نستوعب الثقافة ذاتها التي أنتجتها,ولا يجدي أيضا أن نرتهن لتلقي معارفنا من النخب الدينيةوالثقافية,ونجعل(اجتهاداتهم)البشرية قناعات صارمة,تشكل نظرتنا الثابتة دائما للانسان والكون والحياة. وثاني الشرطين هو تحطيم كل السياجات المصنوعة التي منعت عن مجتمعنا ضياء المعرفة وأشعة الجمال باسم أكثر القيم سموا(الدين والهوية الانسانية),إذ الحقيقة أن الدين الالهي الحق هو الذي يحفز دائما على المعرفة والانفتاح على تجارب الآخرين,بل إن حضارتنا الاسلامية العربية لم تكن لتزدهر إلا بعد أن تمثلت بصدق حرية التفكير العلمي والتواشج مع شواهد الحضارات الأخرى قبل مايقارب عشرة قرون ازدهرت فيها خطابات الفكر الفلسفي ومنها الخطاب العلمي النظري والتجريبي معا. ولكن معظم معطيات خطابنا الديني-وليس الدين للمرة المليون-نراها تتجه في كل مرة إلى إثبات واحدية النموذج وإلغاء الحوار حول أكثر معطيات ذلك الخطاب أهمية بإدراج(كل شئ) في سياق المسلمات والحقائق المطلقة,بقناعة صارمة من مصدري الخطاب بأن أي حوار معرفي جاد حول قضاياه ومقولاته ورموزه يمكن أن يربك أنسجة من العلاقات الدوغمائية يجب الحرص على تماسكها وسلامتها لأهداف نفعية بعيدة عن غايات المعرفة الخالصة. أما بشأن الهوية الانسانية,فقد كانت لدينا بالفعل هوية حقيقية,كان من الممكن أن تترسخ بشكل حضاري إنساني قبل أربعة عقود من الزمن لتترسم خطى الثقافة الجادة حقا,عندما كان مجتمعنا يعيش وينمو بشكل طبيعي متناغم بدون معوقات ووصايات وعلاقات أعيدت صياغتها خطأ(مع رجل الدين والمثقف والمرأة والحياة بشكل عام).. لتنتج لدينا مع الأيام هوية-برائحة الغرف الحديدية الباردة-سكنت بشغب في وعينا الكلي,حتى في وعي المثقفين أنفسهم,إذ لاأزال أتذكر تصريحا-العام الماضي- لمصدر في وزارة الثقافة والاعلام يبشر فيه صاحبه بأن» سقف الحرية سيكون في معرض الكتاب المقام آنذاك في العاصمة الرياض عاليا,ولكن بشرط عدم تعارضه مع ديننا وقيمنا وعاداتنا..»وليست العادات والقيم-في الحقيقة- إلا تلك الهوية المزعومة بالتأكيد!التي جعلتنا في نظر أنفسنا-فقط-كائنات علوية لها قيم رفيعة من الحق والفضيلة لاتتوفر لغيرها بالضرورة,أو لكأن نظرتنا إلى تلك القيم والاخلاق تختلف عن نظرة الآخرين في أسفل الدرك! (2)ثقافتنا:المؤسسة الثقافية أما عن الدور الذي يمكن أن تضطلع به المؤسسة الثقافية ذاتها فهو لاشك دور فاعل ومؤثر,رغم التحديات الكثيرة التي تجتاح صناعة الثقافة لدينا والتي جعلت خطاب تلك المؤسسة بكل مفرداته لم يستطع على مر الزمن أن يحقق أمرين رئيسين,أولهما تحفيز المجتمع كله أو على الأقل معظمه لتعاطي الثقافة الحقيقية,وتربية ذائقة الثقافة الجميلة في النفوس,التي لاتزال تردد ألحانها الشعبية الغابرة,وثانيهما تقديم ثقافة حقيقية تنشط في رحابها كافة المعارف والفنون من فلسفة وترجمات ونقد ثقافي وأدبي وسينما ومسرح وموسيقى وتصوير,ليقتصر خطابنا الثقافي المؤسساتي على الشعر والقصة ونقدهما,مع محاولات خجولة وجلة لتداعيات فكرية تلوح من بعيد. أزعم أن(بالامكان)لتلك المؤسسة(وزارة الثقافة والاعلام)ترسم خطى الفعل المؤسساتي الثقافي المنتج من خلال النداءات التي أحاول اختصارها في النقاط الآتية: 1-أهمية الوعي بضرورة انسجام الخطابات المرتبطة بشكل أو بآخر مع فعل إنتاج الثقافة الكلية.هذا الانسجام هو الذي يصنع حضارة المجتمعات من خلال عمل جماعي متسق في وظائفه وأساليبه..ألم يحن الوقت على سبيل المثال لحل إشكالاتنا الأبدية مع المسرح والسينما والتصوير؟لأن أي مؤسسة ثقافية حقيقية لابد أن تنهض برعاية كل تلك الأجناس التي تنتمي إليها بكل العلاقات اللامتناهية..فعندما ينسجم خطابنا الثقافي مع الخطابات الدينية والاجتماعية والتعليمية التي تشكلت أكثر مفرداتها بفعل مؤثرات تاريخية خاطئة يكون الفضاء متاحا بالفعل لإقامة اعراس ثقافية حقيقية..فلا حجب,ولا مصادرات,ولا اعتداءات على كرامة الانسان التي كفلها الله عز وجل لعباده المؤمنين.. 2-ضر ورة تكفل المؤسسة الثقافية بحقيقة حاجة مثقفيها أنفسهم إلى(تثقيف)حواري يحررهم من أسر(تخصصاتهم)العلمية وسد فجوات الفراغ الفكري لديهم. 3-وفيما يختص بالأيام الثقافية الخارجية التي يتناوب على المشاركة فيها أسماء متكررة دائما,فلابد من وضع(آلية)صريحة و(معايير)واضحة للمشاركة فيها,لأن ذلك من شأنه أن يكسب تلك المشاركات قيمة معرفية تنهض بقيم التأثر والتأثير بين الثقافات المختلفة,وبصورة ثقافتنا المحلية أمام الآخرين. 4-أما عن شأن(تسويق)كتب مؤلفينا فينبغي أن يتخطى فيه التداول المادي الطرفين المتفاعلين في كل مرة,الكاتب ووزارة الثقافة والاعلام إلى أطراف أخرى يمكن أن تحقق لذات الكاتب الفائدة المعرفية والمعنوية والمادية على السواء,كوزارة الخارجية بملحقياتها الثقافية ووزارة التعليم العالي. 5-حتمية الإجابة عن اكثر الأسئلة قلقا وإلحاحا حول ملكية الأندية الأدبية لأراضيها..(لابد أنكم تعرفون أن قطعة الأرض المقام عليها النادي الأدبي بجدة, ليست ملكا له منذ عشرات السنين وإلى الآن!)..