كان محمد إبراهيم الجزيري شيخًا تخرج في مدرسة القضاء الشرعي ورئيسًا لتحرير مجلة القضاء الشرعي، وفي ذات الوقت سكرتيرًا خاصًا بزعيم الأمة وقائد ثورتها سعد زغلول باشا (1273 - 1346ه، 1857- 1927م). وعندما نشبت المعركة الفكرية الكبرى التي أثارها كتاب الشيخ علي عبدالرازق (1305 - 1386ه، 1883 - 1966) سنة 1925م. وانحاز العلمانيون والمتغربون إلى هذا الكتاب الذي حاول علمنة الإسلام والتكريس لإلغاء أتاتورك (1298 - 1357 ه، 1881 - 1938 م) الخلافة الإسلامية وتصدي الأزهر ورموز الفكر الإسلامي لدعاوى العلمنة والعلمانية. انحاز سعد زغلول إلى صف المدافعين عن أن الاسلام دين ودولة، وأنه صاحب شريعة أفرزت نظامًا مدنيًا في الحكم والقانون حقق السعادة للشعوب التي حكمت به ولا يزال يصنع ذلك في العصر الحديث. ولقد كتب محمد إبراهيم الجزيري في كتاب (سعد زغلول.. ذكريات تاريخية) عن النقد الشديد، الذي وجهه سعد زغلول لكتاب علي عبدالرازق، وكيف وصفه بالجاهل الذي يسعى إلى هدم أركان الاسلام وكيف حذر الشباب الذين لم تقو مداركهم في العلم القومي من الخلط بين حرية الفكر وبين هدم الاركان التي قام عليها الاسلام. كتب الجزيري عن رأي سعد زغلول هذا الذي وصفه بأنه “عصبية إسلامية شديدة ورأي جميل في الاسلام وأحكامه ومدنيته”، وذكر كيف انتقد سعد زغلول الذين يؤيدون كتاب علي عبدالرازق، وطلب من الجزيري ألا تنشر مجلة القضاء الشرعي أي تأييد لهذا الكتاب، وكيف اعتدل سعد زغلول في جلسته -كما يستعد المحاضر لالقاء محاضرة والخطيب لالقاء خطبة- ثم قال: “لقد قرأت الكتاب بإمعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ أو الصواب، فعجبت أولا كيف يكتب عالم دين بهذا الاسلوب في مثل هذا الموضوع. لقد قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم فما وجدت ممن طعن منهم في الاسلام حدة كهذه الحدة في التعبير على نحو ما كتب الشيخ علي عبدالرازق، لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظرياته وإلا فكيف يدعي أن الاسلام ليس مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم فأي ناحية من نواحي الحياة لم ينص عليها الاسلام هل البيع أو الإجارة أو الهبة أو أي نوع آخر من المعاملات؟ ألم يدرس شيئًا عن هذا في الازهر؟ أو لم يقرأ أن أممًا كثيرة حكمت بقواعد الاسلام فقط عهودًا طويلة كانت أنضر العصور؟ وأن أممًا لا تزال تُحكم بهذه القواعد هى آمنة مطمئنة؟ فكيف لا يكون الاسلام مدنيًا ودين حكم؟!. وأعجب من هذا ما ذكره في كتابه عن الزكاة فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية؟ إنني لا أفهم معنى للحملة المتميزة التي تثيرها جريدة “السياسة” حول هذا الموضوع. وما قرار “هيئة كبار العلماء” بإخراج الشيخ عليّ من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه لأن لهم حقًا صريحًا بمقتضى القانون أو مقتضى المنطق والعقل أن يخرجوا من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم. فذلك أمر لا علاقة له مطلقًا بحرية الرأي التي تنعيها “السياسة”. إن العلماء فعلوا ما هو واجب وحق، وما لا يجوز أن توجه إليهم أدنى لائمة فيه، والذى يؤلمنى حقًا أن كثيرًا من الشبان الذين لم تقو مداركهم في العلم القومى، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الاعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الافكار خطأ كانت أو صوابا دون تمحيص ولا درس، ويجدون تشجيعًا على هذا التميز، فيما تكتب جريدة “السياسة” وأمثالها من الثناء العظيم على الشيخ علي عبدالرازق، ومن تسميتها له بالعالم المدقق والمصلح الإسلامي والأستاذ الكبير إلخ .. وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأي وبين القواعد الإسلامية الراسخة، التي تصدى كتابه لهدمها.. هكذا تحدث سعد زغلول الذي ظلموه ووضعوه فى زمرة العلمانيين.