يؤكد الكاتب عبدالحفيظ الشمري في روايته «شام .. يام» على أن معاناة الاغتراب الداخلية التي عاناها بطلا هذه الرواية خلال الأحداث التي ارتكزت على بطلين «شام» الذي وعدته الحياة أن يكون عبدًا للمال، أو خدينا للمتعة، أو واحدًا من طلاب الشهوة والجسد، والثاني «يام»، فإنه يفر من منغصاته إلى عوالم الخيال حيثما يقف على شفير الهاوية، إذ يهرب «يام» مبكرًا مع أستاذه الملتحي السوداني نور الدين، في مقابل توطد علاقة شام مع شيهانة سيدة الأعمال النافذة، «فكل يغني على ليلاه». يكشف الشمري عن استمرار الإستحواذ على البشر في العاصمة الخلجانية الوسطى من خلال شخصية «سنيدي» الذي يظهر وكأنه مباع من قبل الشيوخ ل»شيهانة»، في سياق الرواية وغير ذلك الكثير من عوالم الخفاء التي حاول الكاتب كشفها وإزالة اللثام عنها بلغة بسيطة معبرة عن واقع يعيشه أبطال عالمه الروائي في «شام.. يام». اعتمد الراوي الرمز بدءًا من الاسم «شام.. يام» ليحيط بأركان المكان في شبه الجزيرة العربية، من الشام، إلى اليمن، وكأنه يستحضر رحلة العرب القديمة «الشتاء والصيف»، كحلقة وصل تجارية هدفها جمع المال لا أكثر طوال العام في رحلة عناء متواصلة قام بها أبطال روايته في العصر الحديث لهثًا وراء مال، بدءا من «المغترب شام» وامتدادًا بخاسر الخاسر المدير المالي لشركة فك المارد التي تمتلكها شيهانة. تفاصيل كثيرة موغلة في عتمة الغربة والاغتراب من ناحية، وفي جمع المال والانسياق وراء الشهوة بكل وسائلها من ناحية أخرى، إذ دارت كل شخوص الرواية في فلك «شيهانة الوكري» سيدة الأعمال التي تمتلك الثروة، بالإضافة إلى كم هائل من كيد النساء، واللعب بقلوب الرجال من أجل مصلحتها كيفما تشاء، تملك كل خيوط لعبة المال، حتى أنها سلبت زوجها شخصيته إلى أن صار أشبه بالمخبول «عرج شهلا»، ووضح ذلك جليًا في المشهد الذي اعتنى به الكاتب أثناء سفر «شيهانة»، وصراخ عرج شهلا مناديًا على «شام» الذي كان قد غرق في أحلام الثراء من وراء شيهانة التي انتقل إلى العمل معها بعد خمس سنوات من الغربة الرمادية، صراخ عرج شهلا حين مات كلبه، وانحنى على ركبتيه ليقبل ذيله، واندهاش «شام» من هذا الهوس المعتوه، وطلب عرج شهلا منه دفن «أخيه» الكلب، مما زاد من استغراب شام من هذا المعتوه، وحتى حين قرر دفن الكلب والانصياع لأوامره، كان ذلك خوفًا على غضب شيهانة الغائبة، دفن الكلب على عمق في الأرض خوفًا من معاودة «عرج شهلا» إلى قبر الكلب ومحاولة نبش القبر، وفي طرافة واضحة من الكاتب، ألمح على لسان «شام» خوفه من طلب عرج أن يقوم بتغسيل الكلب وتكفينه. «حفروا لنهاب قبره في وسط الحديقة الجنوبية من البيت المرمري، وزادت فداحة اللوعة حينما انخرط الرجل في البكاء واحتضان كلبه وتقبيل ذيلهن والعاملان و»شام» يرقبون بدهشة هذا المشهد السمج والردئ، من بقايا رجل مسخ لا يعرف من الحياة إلا هذه الممارسات الغبية». وتدخل الأحداث في نفق مظلم بحادث مقتل «جميل سمكة» الشامي الذي يعمل «موظف لكل المهام في شركة فك المارد والبيت المرمري الكبير لسيدة الأعمال والمال «شيهانة وكري الصقر»، ليحل شام مكان جميل سمكة ذلك الرجل الذي يرث عنه كل شيء في قصر شيهانه، وبذلك كانت مخاوفه من المحطة الأخيرة بمقتله على نفس الطريقة التي قتل بها جميل سمكة، فقرر وقتها «الذهاب إلى صديقه القديم «يام» لعله يخرج بمعادلة إنسانية تعيده إلى صوابه، بعد هذا المخاض العجيب والصراع النفسي الرهيب بين ذات تهفو إلى المال، وغرائز تقتفي متع اللذة، وروح بسيطة تود ألا تلوثها جنونيات المادة في تضاعيف «العاصمة الوسطى»، وما جاولها من عواصم الخلجان المترامية على بحر الظمأ المدجج بزرقة لا توحي بصفاء، إنما بخباء ممكن للملح والبارود والثورة كبركان في أي وقت». في هذا المقطع بدأ تأثر كبير ب»مدن الملح» بأجزائها للروائي عبد الرحمن المنيف التي تناول فيها ذلك الملح الذي يسد حلوق كل من يسكن تلك المدن الخلجانية كما وصفها «الشمري» في «شام.. يام». بناء الرواية عند الروائي عبدالحفيظ الشمري مكتمل العناصر من حيث العلاقات الزمكانية المتشابكة التي رغم عدم تحديد تاريخ محدد فيها، والمكان المرموز إليه، إلا أنه مع كل هذا تبدو اللوحة المرسومة متكاملة دالة بعناية على هذا العناء المرسوم على وجوه كل من يسكن «العواصم الخلجانية»، وتحديدًا العاصمة الوسطى، وحتى شخوص الشمري بدأت وكأنها تماثيل مرمرية تقوم بدور تمثيلي متحرك صاعد بدءًا من «كتبت الذلة على عواتقهم» التي افتتح بها روايته، ليحكم من البداية على شخوصه بالذلة. اقترب الكاتب كثيرًا من تفاصيل دقيقة تارة أشار إليها بالرمز وتارة أخرى أشار إليها صراحة بكتابة أسماء البلدان التي سافرت إليها شهانة، في إشارة منه إلى امتزاج الواقعي بالرمز، وذلك حين سافرت شيهانة إلى ألمانيا. وفي رسالة «شام» الأخيرة إلى فاتن فتاته الأولى مثال الطهر الوحيدة في العلاقات الإنسانية في الرواية التي يقرر فيها عدم العودة بعد هذه الرحلة في العاصمة الوسطى ليقرر مواصلة غربته واغترابه من جديد «ربما ومن هذه الوهلة لم أعد يا فاتن عبدًا للمال، تركته وهجرت أهله، وهربت بما لدى من بقايا ما أزعم أنها كرامتي»، وبعدم عودة شام مرة أخرى إلى العاصمة الخلجانية الوسطى والتأكد تمامًا من ذلك «فها هو نصيبه في صفقة أعواد الأبانوس الثقيل، التي تمت ودخلت العاصمة بسلام يجيره «خاسر الخاسر» إلى حسابه حيث تكشف آخر كلامح صراع شام مع الحياة المهرولة نحو مفاتن المال الزائلة في العاصمة الخلجانية الوسطى». تنتهي تفاصيل الرواية بما يشبه الاختفاء سواء لشام أو يام الذي اختفى هو الآخر في ظروف غامضة مثلما اختفى كثيرون في الراوية سواء بالموت أو بالاختفاء. فقد لعب الشمري دور الراوي العليم في الرواية، لكنه لم يش بأي من أسرار أبطاله، وترك لهم حرية اختيار مصائرهم الافتراضية، وكل وصل إلى مبتغاه بما يحمل من مقومات لهذه النتيجة الحتمية المنطقية التي قادت إليها أحداث الرواية، ليقول في رسالة موجهة إلى أبناء العاصمة الخلجانية الوسطى «فالإنسان يا أسياد الرمل وعبيد المدن يهزم في حياته مرة واحدة هي لحظة الموت، أما في هذه التخوم فإن موت أحلامك هو الحالة الأولى لموت هؤلاء «شام، ويام وشيهانة وخاسر ومن على شاكلتهم من أشقياء الحياة المعاندة». «فك المارد»، «خاسر الخاسر»، العاصمة الخلجانية الوسطى»، وغيرها الكثير من الرموز التي اختزل بها الروائي في أحداث روايته الجديدة «شام.. يام» تفاصيل «العاصمة الخلجانية الوسطى» أو إن ابتعدنا عن المجاز قليلاً فنجده يعمد مستعملاً ببراعة الترميز إلى العاصمة الرياض، بكل تفاصيلها الخفية، من خلال شخصيتي «هيثم شام» و»علي يام» قطبا معادلة العناء في العاصمة الوسطى، كما أطلق عليها الشمري، وذلك على غرار النهج المتبع من عدد من الكتاب السابقين لتجربة الشمري مثل عبدالرحمن المنيف في مدن الملح، ورواية عبدالله بن بخيب في شارع العطايف.