· يقول الخبر الأول: “أشعل مجهولان النار في إحدى كاميرات “ساهر” بالمدينةالمنورة، وبحسب الشهود فقد ترجل اثنان من الحي المقابل للطريق نحو صندوق الكاميرا، حيث تولى الأول سكب البنزين، فيما قذف الآخر عود ثقاب على الصندوق الذي أكلته ألسنة اللهب على الفور”! أما الخبر الثاني فيقول: “تطوّع احد الشباب - في المدينةالمنورة أيضًا - لتنبيه قائدي السيارات من كاميرا (ساهر) حيث وقف بقربها، وأخذ يلوح للسائقين من أجل تنبيههم عند اقترابهم من الكاميرا”! · بعيدًا عن قضية غضب البعض من نظام (ساهر)، فإن الخبرين يقوداننا إلى فتح ملف (البطالة) من جديد، من خلال التساؤل: ما الذي يجعل مواطنًا يتسم بكل هذا الكم من العدوانية تجاه ما يمت للملكية العامة بصلة؟! ولماذا يتحول بعض الشباب إلى آلات تخريبٍ تُحطّم وتتلف - بدم بارد - منجزات وممتلكات الوطن حتى في يومه الوطني؟! لماذا تنتشر المقاهي ومراكز الترفيه والقنوات الفضائية بهذا الشكل اللافت؟! دعوكم من مفردات الوقاحة ومعاني الاستهتار التي طغت على القاموس الشبابي مؤخرًا وفسروا لي التنامي المفزع للتطرف في أوساط الشباب؛ الذي كلما قلنا بانتهائه فاجأتنا أجهزة الأمن باكتشاف سقوط المزيد منهم في حبائل خلاياه النائمة ونصف النائمة! · سأتبرع بالإجابة من خلال خبرتي المتواضعة وأقول إنها ثقافة البطالة.. فعندما تُعطّل الطاقات الشابة الجامحة عن العمل، وتحرم حتى من الأمل في الالتحاق بقطار التنمية؛ فمن الطبيعي أن يشكل بعضها خطرًا على التنمية ذاتها؛ بل حتى على محيطها العائلي الضيق، وستزداد خطورتها في كل يوم يزداد فيه طول طوابير العاطلين، وأعداد الملفات (العلاّقي) الخضراء.. فالعمل - أيها السادة - ليس مجرد باب للرزق لكنه تعبير عمليّ عن الخصوبة والمشاركة المجتمعية، والعاطل مهما بلغت درجة ثقافته وعلمه لن يشعر أنه جزء من هذا المُنجز؛ ولن يدافع عنه أو يحافظ عليه؛ إن لم يشعر بمساهمته في صناعته وبنائه. · إن مكمن الخطورة في البطالة ليس في تأثيرها الاقتصادي فحسب.. بل في كونها سببًا مهمًا من أسباب تحويل العاطل إلى شخص محبطٍ؛ حاقدٍ؛ ناقم، يرى نفسه كجزيرة معزولة عن الوطن، مما يخلق لديه شعورًا سلبيًا تجاه كل المحيطين به الذين يراهم إما خصومًا ولصوصًا انتزعوا حقه في العمل؛ أو غرباء في أحسن الأحوال، الأمر الذي يسهّل على القيادات المتطرفة اصطياده وحقنه بالأفكار الشاذة التي من شأنها إغراقه في غيبوبة فكرية، قد تصل حد التخدير الكامل والإقدام على أي فعل طائش. · شبابنا ليسوا مجموعة من الملائكة، لكنهم بالمقابل ليسوا قطيعًا من الشياطين (الصيّع).. إلا أنهم قد يصيرون كذلك لو لم نستيقظ من غيبوبتنا، ونهيئ لهم أسباب العمل والمشاركة الفاعلة، فالمسألة - بالنسبة للعاطل - وقبل أن تكون مسألة انتماء هي مسألة تحقيق ذات وإثبات وجود؛ وبحثٍ عن دور شخصي في المقام الأول.. فان لم نعمل على تلافي الأسباب التي أدت إلى عزلتهم وإصابة بعضهم بالتوحش، فسنألم كل يوم لمشهد تحطم جزء من ثروات الوطن. · من الخطأ أن ننشغل باستنكار الأحداث التي نعاني منها؛ عن التفكير في الأسباب التي قادت إليها.. فدعونا - يرحمكم الله - من الشعارات التي لا تؤكل خبزًا.. وبدلًا من أن تسألوا أين ذهب الانتماء لدى الشباب، فكروا في إعادتهم إلى دوائر العمل والإنتاج.. فالانتماء لا يكون إلا بالمشاركة.