تحدثت في مقال الأمس عن أن مفهوم الدولة الوطنية الحديثة (المستورد من الغرب أصلًا) يقوم على مبدأ أم هو المساواة الكاملة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم وخلفياتهم الدينية والثقافية والمذهبية والعرقية. هذا المفهوم للمواطنة الذي يكفل تحقيق وحدة وطنية حقيقية، هو الضمانة الأولى للقضاء على أية فتنة بين أبناء الوطن الواحد. بالإضافة إلى ذلك، توجد ضمانة أخرى تتمثل في ضرورة تحديد العدو الخارجي الذي يشكل مصدر تهديد لسلامة أراضي الوطن ولأمن ومستقبل المواطن. العدو قد يكون متجسدًا في دولة معينة أو جهة محددة، كما أنه قد يكون مجردًا ومتمثلًا في بعض التيارات الفكرية التي تهدد الوحدة الوطنية. في الحالة العربية تعرضت العديد من الدول للفتن الطائفية والمذهبية عبر العقود الأخيرة، وقد كان السبب الأول وراء ذلك هو عدم قدرة بعض هذه الدول على تحديد مفهوم عصري وإنساني لمصطلح المواطنة. أما السبب الثاني فيعود إلى خفوت نبرة العداء للكيان الإسرائيلي الذي كان ولا يزال مصدر الخطر الأهم لكل الدول العربية دون استثناء. لقد ضاعت البوصلة ولم يعد المواطن العربي متأكدًا من أن إسرائيل هي عدوه الأول والأزلي. والحقيقة أن وجود حالة من العداء السافر بين الدول العربية وإسرائيل، سمح للدول العربية بالحفاظ على وحدتها الوطنية نظرًا لإحساس الجميع بأن الخطر يستهدف الجميع وأن مصدر هذا الخطر واحد. لكن وبسبب الخطاب الثقافي والإعلامي الذي روج لضلالات السلام وفعل المستحيل لإقناع الجماهير بإمكانية إيجاد حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي وبإمكانية تحقيق التعايش السلمي مع هذا العدو، انتهز دعاة الفتنة الفرصة وراحوا يلعبون على أوتار الهويات الصغرى التي تعرض بعضها للمصادرة في حين تمت محاولات دؤوبة لتضخيم بعضها الآخر. لقد أثبتت الوقائع المتتابعة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام، ثم حرب نظام صدام حسين على إيران، مدى خطورة الفراغ الذي تركه غياب خطاب التعبئة الإعلامي والثقافي ضد العدو الإسرائيلي. وهو ما تسبب إلى حد بعيد في إشعال كل أنواع الفتن الطائفية والدينية والمذهبية في الوطن العربي. خطاب التعبئة ضد إسرائيل هو أحد أهم سبل الحفاظ على الوحدة الوطنية في عالمنا العربي. [email protected]