قال الضَمِير المُتَكَلّم: يقول أحد الأصدقاء: حدثت في مدرسة ابني الابتدائية حادثة مضحكة مبكية الأسبوع الماضي؛ ففي إحدى مباريات كرة القدم بين فصول المدرسة، وعند دخول أحد الطلاب (اللاعبين) لأرض الملعب قام بملامسة الأرض بيده ثم وضعها على صدره ثم جبينه راسمًا الصّليب؛ وسط استغراب وضحكات الحضور من مدرسين وطلاب، وعندما سئل الطالب عن تصرفه، أجاب أنا أقلد اللاعبين في الدوريات العالمية!! طبعًا الطالب المسكين لا يعرف الأبعاد الدينية والعَقَدية لحركته تلك؛ وهذه الحادثة فردية لكنها تدق ناقوس الخطر، وتبعث بالعديد من الإشارات: * قوة تأثير العولمة بما فيها من طقوس دينية وممارسات وعادات، ومظَاهر جسدية على مجتمعنا، فالعولمة بأدواتها التقنية والتكنولوجية من قنوات فضائية وإنترنت أصبحت قادرة على التغلغل في تشكيل سلوكيات أبنائنا في أدق تفاصيلها؛ فإذا كنا نتحدث سابقًا عن المَظهر، فقد وصلت للمعتقد والجوهَر!! * ضعف البناء العقدي والسلوكي للناشئة، وفقدانهم للقدوة، ممّا يجعلهم لقمة سائغة وصيدًا سهلاً للعواصف والزوابع الوافدة!! * غياب الرقابة الأسرية التي تقدم الحماية، وخط الدفاع الأول أمام التأثيرات السلبية لطوفان العولمة والانفجار المعلوماتي؛ فالتوجيه الإيجابي الذي يَفْتَح الأبواب، ولا يغلقها عامل مهم في محافظة الأبناء على هويتهم الدينية والحضارية، مع إفادتهم من كل جديد! * الدور المفقود للمدرسة ومناهجها التقليدية والمعلبة في زرع الانتماء للدين والاعتزاز بالثقافة في عقول ونفوس الطلاب فالمدرسة المفروض فيها أن تملك خاصية تحصين النشء، والقيادة الواعية لهم التي تفتح النوافذ لكي يروا النور، ويتجنبوا زوايا الظلام!! * الصوت الخافت الهامس للمنابر وخطب الجمعة، ووسائل الإعلام المختلفة في التعاطي مع ظواهر العولمة بتعزيز الإيجابيات والتحذير من السلبيات، وإيجاد بدائل مناسبة لها! باختصار مواقف بسيطة كالمشهد السابق لطالب الابتدائي قد تكشف عن ظواهر اجتماعية وتقدم مؤشرات لها؛ فنعم تأثرنا بالعولمة، ولكن كَم أتمنى أن نبتعد عن النواح، ولَطم الخدود، والدوران في فلك نظرية المؤامرة؛ وأن نُفِيد من النموذج الصيني الذي استجاب لتحديات العولمة قاطفًا من نهر إيجابياتها عوامل وأدوات صناعة ثورته العلمية والمعرفية والاقتصادية والثقافية؛ بينما نأى بمجتمعه عن التيارات السلبية، وهنا تتضح الأرضية الصلبة للهوية والحضارة! ألقاكم بخير، والضمائر متكلّمة.