إن الرسالة التي تصلك من (كرش) طبيب ينصحك بإجراء عمليات القص و(الخبط)، واللصق لمعدتك للمحافظة على وزن مثالي، هي بكل تأكيد نفس الرسالة التي تصل لشاب من والده الغاضب من تورطه بالتدخين؛ لدرجة أنه أشعل ثلاث سجائر وهو يعظ ولده، ويعدد له مخاطر التدخين، وهي ذات الرسالة التي تصلنا من مدير عمل لا يصل إلاّ بعد الثامنة، وأول مهمة يؤديها حين يصل متابعة سجل الحضور والانصراف، ومواقع الخطوط الحمراء، وهي ذاتها التي تصلنا من المطالبين بالسماح بالاختلاط بين زملاء وزميلات العمل، وهم لم يتحرروا من قيد الممنوع المرغوب، وتعاملاتهم تشوبها التجاوزات، والتبسط غير اللائق، وهي ذاتها التي يطرحها منظرو الإصلاح المطالبون بالحقوق والحريات، وهم يتجاوزون حقوق الآخرين، ويعتدون على حرياتهم بمجرد التنحي عن (الميكرفون)، وخلع النظارة، ووضع القلم! جميع هؤلاء تدفق الطين لزوارقهم الزجاجية، ولم يعودوا صالحين لتأدية رسائلهم، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن لم يصلح نفسه سيعجز عن إصلاح غيره، وسيفقد جدية مشروعه، ولذا كان الحديث الشريف “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” فلا يتخيّل المصلحون أنهم أبطال حين يطالبون المسؤولين بممارسة الرعاية وهم في منأى عن مسؤولياتهم ورعاياهم، فالبطولة الحقيقية هي أن يقوموا بأولوياتهم، وأن يقدموا صورة نموذجية فيما يطالبون به، فحضور المدير المبكر وحده رسالة بأهمية المحافظة على وقت الدوام، أمّا مطالبة الآخر بما يستثني منه نفسه فوقاحة صريحة، وباعث على التسيب والإهمال. ورحم الله الشافعي حين قال: ياأيُّها الرجلُ المعلمُ غيرهُ هلّا لنفسك كان ذا التعليمُ تصفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضنى كيما يصح به وأنت سقيمُ ونراكَ تصلحُ بالرشادِ عقولَنا أبدًا وأنتَ من الرشادِ عديمُ لا تنهَ عن خلقٍ وتأتي مثلهُ عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ وابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها فإذا انتهتْ منه فأنتَ حكيمُ فهناك يقبلُ ما وعظتَ ويفتدى بالعلم منك وينفعُ التعليمُ فلنبدأ بأنفسنا، فتلك هي البطولة! [email protected]