الوَطَن الذي نُحبه كل واحد من البشر يحب الوطن الذي ولد فيه ونشأ على أرضه ونما في ربوعه، ونعم بخيراته؛ هذه سمةٌ مشتركة بين البشر وفي كل الأوطان . قال ابن الرومي: وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم مآرب قضّاها الشَّباب هنالك إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم عهود الصبا فيها فحنَّوا لذلك ولكن الأرض التي نتحدث عنها ليست مثل أي أرض والكيان السياسي الذي وجد عليها ليس مثل أي كيان، والنظام الذي يحكمها ليس مثل أي نظام. في وسط الجزيرة العربية نشأت دولة التوحيد، ورفعت رايتها وانطلقت منها أنوار الخير والبر والإصلاح. قد أنعم الله على إمامين كريمين أن يضعا اللَّبنة الأولى لهذه الدولة المباركة، فمحمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود هما المؤسسان الأولان لهذه البلاد في لقائها في عام 1157ه في الدرعية. ومنذ ذلك التاريخ وهذا الوطن ينتقل من عز إلى عز ومن خير إلى خير، ومن نصر إلى نصر. وفي شهر شوال من عام 1319ه دخل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الرياض فاتحاً فبدأ عهدٌ جديد ننعم بخيراته الآن كما نعم به آباؤنا وأجدادنا. أما لماذا نحب هذا الوطن فلمقومات كثيرة أهمها: كان قدر الله لهذه البلاد أن يكون على أرضها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمشاعر المقدسة التي يحج إليها المسلمون لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام. فكانت هذه البلاد راعية لتلك المشاعر مقدمة للخدمات الكثيرة للمسلمين الذين يفدون إليها في الحج والعمرة. وقد تشرَّف بذلك حكام المملكة جميعهم وكان الملك عبدالعزيز يفخر بذلك ويعتز به. ولكن الملك فهد رحمه الله خطا خطوةً رائعة حينما أصدر أمره بأن يتنازل عن جميع الألقاب ومنها صاحب الجلالة وطلب أن يكون لقبه الوحيد (خادم الحرمين الشريفين). ثم جاء الملك عبدالله ليؤكد ذلك الطلب ويأمر حفظه الله أن يكون لقبه الرسمي في كل المعاملات الرسمية وغيرها (خادم الحرمين الشريفين) فقط ويكتفي بذلك دون غيره. وبدأ الملك عبدالله عهده الزاهر بأن نهى عن تقبيل اليد له أو لأي مسؤول وقال إن ذلك لا يكون إلا للوالدين وقد سجل هذه المكرمة الشاعر الدكتور غازي القصيبي رحمه الله بقوله : سلمت يد لا تقبل التقبيلا وسلمت للشعب النبيل نبيلا جسدت في شخص كرامة موطن تأبي العقيدة أن يكون ذليلا علمتنا أن الرجولة موقف يقف الزمان أمامه مذهولا وملكت ناصية الجموع مروءةً بالحب تفتح أضلعا وعقولا وفي النظام الأساسي للحكم نجد عدداً من مقومات التفوق والتميز للمملكة ومنها: المادة الأولى : المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولغتها هي اللغة العربية. هوية إسلامية واضحة المعالم فدين الدولة الإسلام وحده ودستورها الذي تستمد منه جميع أنظمتها هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمنهما تستمد قوتها وإليهما يتم التحاكم وفيهما سر قوة البلاد وعزها ومنعتها، ولغة البلاد هي لغة القرآن الكريم اللغة العربية. وجاء في المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم: عيدا الدولة هما: عيد الفطر والأضحى، وتقويمها هو التقويم الهجري. وجاء تحديد العيدين لأنهما هما عيدا المسلمين جميعاً وبهما جاء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والتاريخ وهو تاريخ هجرة نبينا محمد من مكة إلى المدينة والذي عملت به الأمة طيلة أربعة عشر قرناً من الزمان وهو الذي يربط أبناء المسلمين بتاريخ أمتهم وانتصاراتها. وورد في المادة الثالثة والعشرين ما نصه: تحمي الدولة عقيدة الإسلام وتطبق شريعته وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وتقوم بواجب الدعوة إلى الله. نص واضح في تشرف الدولة بحماية عقيدة التوحيد وتطبيق الشريعة الإسلامية والتشرف والتميز بإظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله. وهو تميز وشرف لم تنله دولة أخرى على وجه الأرض في زمننا هذا. ويتألق نظام هذا البلد وقيادته ونجاحهما في نص المادة الثالثة والأربعين: وذلك حينما تبين أن القيادة ترحب بكل مواطن يفد إليها طالباً لحاجة أو شاكياً من مظلمة أو مقترحاً لأي رأي. تقول المادة: مجلس الملك ومجلس ولي العهد مفتوحان لكل مواطن، ولكل من له شكوى أو مظلمة. ومن حق كل فرد مخاطبة السلطات العامة فيما يعرض له من الشؤون. ويكمل هذه المادة ويزيد جمالها وتألقها المادة السادسة والأربعون ونصها: القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية. فالحكم بشريعة الله تعالى ولا يقبل من أحد كائناً من كان أن يعترض على أحكام الشريعة الإسلامية. وعلى ذلك كانت تتم البيعة لحكام المملكة ابتداء من الملك عبدالعزيز رحمه الله وبعده أبناؤه سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله وغفر لهم وبعدهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله ووفقه وأمده بعونه وتأييده. هذه إشارات سريعة ولمحات من النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية وهي تبين بجلاء ما أنعم الله به على هذه البلاد من نعم كثيرة من أجلها ثبات المنهج وقوة الدستور ونزاهة الأحكام والعدل بين المواطنين والرقي بالبلاد وتطويرها. ومع ذلك عمارة الأماكن المقدسة وخدمة زائريها والحاجين لها. وتلك مقومات زادت حب المواطنين لبلادهم وفخرهم بها. وهي مقومات دفعت أجدادنا للتضحية بدمائهم وأموالهم في سبيل توحيد المملكة مع أسد الجزيرة الملك عبدالعزيز غفر الله له. ودفعت الأبناء والأحفاد لحماية البلاد والدفاع عنها ضد كل عدو وحاقد ومغرض. إن علم الدولة الأخضر الذي نصت عليه المادة الثالثة من النظام الأساسي للحكم بما نصه «تتوسط كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تحتها سيف مسلول، ولا ينكس العلم أبداً». إن ذلك العلم مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن على ثرى أرضنا. كيف لا وهو يحمل كلمة التوحيد؟ كيف لا وقد نص النظام أنه لا ينكس أبداً لأنه يحمل شهادة التوحيد والعقيدة؟ إن ذلك العلم سيبقى مرفوعاً على كل شبر من ثرى بلادنا وتحته تسير جيوش التوحيد تحمي هذه البلاد وتحته تنطلق قوافل التعليم والتربية والدعوة إلى الله. وإنها لمفخرة لكل مواطن حينما يرى علم المملكة يرفع على سفارات المملكة في كل دول العالم. وحق لكل مواطن سعودي أن يردد مع الشاعر السعودي الكبير خالد بن محمد الخنين: وطني وما زال الحنين يردني طفلاً بحبك ما بلغت فطاما أن كلما رمت السلو رأيتني أزداد فيك محبة وهياما وطني إذا عددت للنعم التي أعطيتها لم أحصها أرقاما بوركت من وطن أقام على التقى صرحا وأحسن في العصور قياما إن خطّت الأقلام سفرا خالدا فكتاب مجدك خلد الأقلام بلد بظل الله أصبح آمنا وبكل ما يبغيه نال مراما حفظ الله المملكة العربية السعودية وقادتها من كل سوء وغفر لمؤسسها وأمد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بعونه وتوفيقه وشد أزره بولي عهده الأمين وأعاننا على أداء حق بلادنا علينا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. • عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية