ليس هناك شخص قط سواء رجل أو امرأة إلا ومرت به لحظة ضعف وانكسار خارت عندها قواه وفترت عزيمته وضاق ذرعًا بحياته وظروفه فسلم نفسه لنوبة بكاء حار وسيل من الدموع وتمنى حينها أن يجد بجانبه كتفًا يستند عليه -والرجل والمرأة في ذلك سواء- ولكن الرجل يعد هذه اللحظة جريمة يجب أن تخفى عن الأنظار لذلك يكابر ويتحمل ويكبت في نفسه أيامًا وسنين وقد تمتد لبقية عمره -وليته عانى لحظة كما استطاع أن يكبت سنين- فتسمع ضحكته المجلجلة تعم أصداؤها المكان وما ذاك إلا ليخفي خلفها صوت بكائه وأنينه. فالويل لهذه الدموع إن حاولت الظهور حينها يعمل جاهدًا على وأدها في المهد قبل أن تخرج للنور وتظل عيناه محتقنتي هذه الدموع وقليلات هن اللاتي يشاركن الرجال في ذلك غير أنها -بنظري- لا تعد جريمة أصلًا فدمعة شجن بلحظة يأس وألم ما هي إلا ترجمة لكمٍ من أحاسيس الكبت والقهر والحزن وتنفيس عما بداخل القلب من هموم عدا من فوائدها الطبية المتعددة، فالناس يخطئون في تقدير هذه النعمة، والأحزان والآلام إذا لم تترجم لدموع ترجمها العقل لأمراض جسيمة نتيجة للضغوط النفسية والعصبية، فلِمَ تكون النعمة بين أيدينا ونحولها لنقمة لمجرد إيماننا بتقاليد اقتلعت قلب الرجل لتجعله جسدًا بلا روح؟ وأنا هنا لا أنادي بانسياق الرجل مع عواطفه وندبه وانتحابه عند كل صغيرة وكبيرة، ولكن عندما يكون على حافة الانهيار وتكون الدمعة هي منقذته فلا يمنعها ويجعلها تنقذه حتى وإن كانت مؤنثة. فاطمة الزهراني (فتاة الشرق) - جدة