طالب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي الفيصل رئيس المركز السعودي للدراسات الاستراتيجية بإعادة النظر في سياسات التخطيط والتصميم العمراني، فيما أكد أمين محافظة جدة الدكتور هاني بن محمد أبو راس سعي الأمانة لاستكمال وتنفيذ الخطة الاستراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة. جاء ذلك خلال رعايته أمس - الثلاثاء - ورشة عمل عقدتها المبادرة السعودية للاستدامة ونفذها المركز السعودي للدراسات الاستراتيجية يوم أمس الثلاثاء تحت عنوان “المدن والتخطيط العمراني المستدام في محافظة جدة”. وقال أمين جدة لدى رعايته إفتتاح الورشة، إن التخطيط الاستراتيجي للمدن يمثل الركيزة الرئيسية لنموها وتنميتها عمرانيًا واقتصاديًا، مشيرًا إلى أن جدة في مقدمة المدن التي تعطي لهذا الجانب أقصى اهتماماتها، وهو ما يحتم على أمانة جدة أن تسعى لتوفير جميع الإمكانيات وحشد الطاقات لاستكمال خطتها الاستراتيجية وتهيئة الظروف لتنفيذها بما يحقق أهداف التنمية المستدامة في شتى المجالات الاقتصادية والسكانية والاجتماعية والبيئية. وبين أن مدينة جدة تمثل واحدة من مدن العالم الأكثر عراقة وتاريخًا، فهي مدينة التجارة والاقتصاد، مدينة الثقافة وملتقى الحضارات بوابة الحرمين الشريفين، ومرفأ للمملكة على البحر الأحمر، إلى جانب ما يميزها من عوامل جغرافية وتاريخية تجعل منها منفذًا وملتقى للحضارات العالمية، وتمنحها موقعًا متميزًا فريدًا على جميع المستويات. وأضاف: كل ذلك يستلزم مواجهة تحديات كثيرة في أكثر من محور من محاور التخطيط الاستراتيجي المستدام والسعي لوضع حلول علمية وعملية تساهم في تحقيق الهدف الرئيس الذي يتمثل في تحقيق تنمية مستدامة، وبالتالي علينا التعامل مع تحديات رئيسة، من أبرزها وأكثرها تقدمًا في الأولويات ما يتعلق بتوفير البنية التحتية والخدمات الأساسية التي لا تكتفي بمعالجة الأوضاع الحالية، بل تعمل برؤية مستقبلية تراعي التوسع العمراني وزيادة عدد المستفيدين من مشروعات البنية التحتية من السكان والزائرين، تنفيذ مشروعات حديثة ومتطورة للمواصلات من خلال منظومة مشروعات الجسور والأنفاق وشبكة النقل العام، وإعادة تنظيم الطرق لفك الاختناقات وتحرير الحركة المرورية. وأشار أبو راس إلى أن محافظة جدة تواجه تحديًا كبيرًا يتمثل في معالجة الأحياء العشوائية، حيث بدأت الأمانة في ظل توجيهات اللجنة الوزارية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وبمتابعة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس اللجنة التنفيذية، في العمل على مواجهة هذا التحدي بوضع بدائل وخطط عملية لتطوير المناطق العشوائية والاستفادة منها وجعلها مناطق جذب للمعيشة والأعمال والاستثمار، والقضاء على المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من نتائج سلبية يسببها وجود هذه العشوائيات، مؤكدًا أن من شأن التعامل مع هذا التحدي إيجاد حلول ومشروعات إسكانية لذوي الدخل المحدود والمتوسط من أهالي جدة الساكنين في المناطق العشوائية. وأفاد أن الأمانة الآن وبدعم حكومة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وتوجيهات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكةالمكرمة، وصاحب السمو الملكي الأمير منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية والقروية بصدد تنفيذ حزمة من المشروعات في مناطق خزام، الرويس، وسط جدة، ووداي العسلاء، وستكون هناك مناطق أخرى تعمل الأمانة على تطويرها وإعادة تنظيمها قريبا. وبين أمين محافظة جدة أنه في إطار التحديات التي نتعامل معها تبرز قضايا الاهتمام بالبيئة وما يحيط بها من تداعيات في أكثر من اتجاه، الأمر الذي يحتم علينا السعي لإيجاد تصور لمنظومة عمل تهتم بتحسين البيئة ومعالجة التلوث والحد منه بكل مظاهره، ووضع أنظمة وآليات عمل محددة ومنظمة ومستدامة للتعامل مع حماية الشواطئ والبيئة البحرية والحد من التلوث الصناعي وغيره، بما يوفر لسكان جدة وزائريها بيئة صحية نظيفة، كما يساهم في تحقيقها العمل على إيجاد طرق وحلول لمعالجة النفايات الصناعية والمنزلية والاستفادة منها بإعادة تدويرها والبحث عن استخدامات جديدة لها بعد عمليات المعالجة. تحديات أخرى وأوضح أن الأمانة تواجه تحديات آخرى ترتبط بحل المشكلات البيئية، وتوفير الفراغات المفتوحة، حيث تعمل على إنشاء الحدائق والساحات البلدية في الأحياء السكنية على امتداد الكورنيش وإنشاء المنتزهات العامة شرق جدة، وتوفير معدلات أعلى من المساحات المفتوحة لإتاحة الفرصة أمام ممارسة نمط حياة صحي وتيسير إمكانية ممارسة الأنشطة الرياضية والتنزه وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والأسرية. وأشار إلى أنه في كل التحديات تنطلق الأمانة من حقيقة مؤكدة تتلخص في ضرورة أن يصاحب الحلول التي نسعى لتنفيذها، تفاعل ومشاركة من جميع فئات وشرائح المجتمع، وهو الأمر الذي نعمل على تحقيقه باستخدام كل صور التقنية الحديثة في مجال التواصل الإلكتروني لإيجاد حوار مفتوح ومستمر من مجتمع جدة لزيادة المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات، وتحقيق مناخ من الشفافية المبنية على وعي وفهم للحقوق والمسؤوليات، لإتاحة فرص دائمة ومستمرة وسهلة في وصول جميع المقترحات بتبادل الأفكار التي يمكن الاستفادة منها. تكامل الحلول وشدد أمين جدة في ختام كلمته على أن تكامل الحلول على مختلف المستويات والعمل ضمن منظمة موحدة مخططة، وفق منهج علمي سليم، سيكون هو سبيلنا لتحقيق هدف التنمية المستدامة في التخطيط العمراني، لذا فإننا نسعى دائمًا للاستفادة من كل الأفكار والرؤى والتجارب العالمية في هذا المجال، وهو ما يجعلنا نأمل في تحقيق الاستفادة المثلى من هذا الملتقى، الذي يتيح الفرصة أمامنا جميعا لنتبادل الخبرات. مبادرة وخطط طموحة من جانبه شكر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن تركي الفيصل رئيس المركز السعودي للدراسات الاستراتيجية أمين جدة على تبني الورشة، والاستفادة من خبراء المركز، في الوقت الذي تعد فيه الأمانة خططًا طموحة لتطوير جدة وجعلها أول مدينة خضراء في المملكة. وأوضح أن هذه المبادرة انطلقت قبل عام بحضور وتشريف صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة الرياض، وبدعم فني من قبل الحكومة البريطانية عبر برنامج الدعم الاستراتيجي لوزارة الخارجية البريطانية، والدعم المتواصل من شركة بوينج العالمية، مشيرًا إلى أنها تستهدف خلق جو من تبادل الآراء والأفكار بين الخبراء العالمين والمحليين للخروج بأفضل التوصيات لما يناسب بلدنا من سياسات التنمية المستدامة. وقال: خلال هذا العام عقدنا ثلاث ورش عمل متخصصة، وشكلنا لجنة عليا لتوجيه هذه المبادرة بمشاركة وزارات الاقتصاد والتخطيط، الشؤون الاجتماعية، الشؤون البلدية والقروية، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة. وأضاف أنه جرى في نهاية الورشة التي عقدت بمدينة الرياض توقيع اتفاقية شراكة ودعم فني بين المركز والجمعية السعودية لعلوم العمران بجامعة الملك سعود لإطلاق حملة وطنية للمباني الخضراء. التنمية المستدامة وأشار سمو الأمير فيصل إلى أن موضوع التنمية المستدامة أصبح متداولًا ومتعارفًا عليه، كل حسب ما يراه، ولكن ما توصلنا إليه خلال عمل المبادرة في العام الماضي هو أن المملكة تمر بتحديات كبيرة ومهمة لا بد أن نعمل معا حكومة وقطاعًا خاصًا لمواجهتها حتى لا نقع في أخطاء الغير ونفقد ما وهبنا الله من موارد طبيعية. وذكر أن أهم هذه التحديات تتمثل في النمو السكاني المضطرد وما يقابله من طلب كبير على الطاقة المشتقة من الكربون، ازدياد ضغط النمو العمراني على الأراضي المتاحة للزراعة وغيرها، زيادة الطلب على المياه والغذاء لسد حاجات المدن، زيادة الضغط على بيئتنا الطبيعية والبحرية، الحاجة لتطوير مجالات اقتصادية جديدة، وتوفير فرص عمل أكبر لمواكبة تسارع الخطط التعليمية والصحية الحكيمة لمملكتنا. سياسة موحدة للطاقة وكشف سموه عن بعض الرؤى التي يعمل المركز حاليًا على تطويرها لايجاد حلول لمواجهة هذه التحديات، ومنها في مجال السياسات أن الحل لكثير من المشكلات البيئية؛ يرتكز على تطوير مجال السياسات وليس الاعتماد على التكنولوجيا وحدها، أما في مجال الطاقة فيجب علينا في المملكة أن نسعى إلى تطوير سياسة موحدة للطاقة تجمع بين الطاقة التقليدية والمتجددة من أجل خلق توازن في دعم قطاعات الطاقة بشقيها كافة. في مجال البيئة العمرانية أكد سموه ضرورة البدء في عملية تصحيحية استراتيجية في مجال البيئة العمرانية للوصول إلى مدن مستدامة ذات كثافة سكانية مركزة تخدمها شبكة مواصلات ذكية، ومبان ذات كفاءة بيئية عالية واستهلاك رشيد للمياه والموارد الطبيعية؛ مع معالجة متطورة وسليمة لإدارة النفايات. إعادة النظر في السياسات واعتبر أن تحديات التغير المناخي التي تواجه المدن تحتم علينا أن نعيد النظر في سياسات التخطيط والتصميم العمراني، وإعداد البنى التحتية وعملية إدارة هذه المدن بما يرشد استهلاك الموارد الطبيعية في مدننا ويقلل من تأثيرها السلبي على البيئة، معربًا عن أمله أن تتم الاستفادة من خلال هذه المبادرات من التجارب العالمية لإيجاد الحلول التي تمكننا وتمكن مدينة جدة بأن تضع خطة نمو متوازنة ومستدامة تراعي البيئة والمجتمع وقيمنا الدينية وتجعل من جدة مدينة جاذبة. تأتي أهمية الورشة في وقت يقوم فيه المسؤولون بمدينة جدة بإعداد خطط طموحة لمواجهة تحديات النمو العمراني، ومن ضمنها النهوض بمدينة جدة وتحويلها إلى مدينة نموذجية عالمية، وتهدف الورشة إلى الاستفادة من التجارب العالمية في التخطيط العمراني المستدام لتمكين محافظة جدة من مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.