اطّلعتُ على ما نُشر على صفحات الجرائد، ومواقع الإنترنت عن مؤتمر (واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية 1431ه) الذي أقامه مركز السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- المنبثق من الغرفة التجارية بجدة. ومن خلال قراءتي للكم الهائل من الأطروحات المتباينة في التوجّه والطرح -وإن لمستُ أن أكثر ما كُتب كان بأقلام رجالية- إلاّ أنه ظهر لي وجود فجوة بين صاحبات الفكر والثقافة، وحاملات لواء الدفاع عن المرأة، مع مناداة الجميع بأن أهدافهن تدعو إلى الخير والإصلاح، فبما أن الهدف واحد، فلماذا لا نجتمع على كلمة سواء؟!. أليس من الخير لقضايا المرأة أن تتوحد كلمة النساء أولاً، أو على الأقل أن تتقارب وجهات نظرهن، حتى لا تتحوّل القضية إلى صراع فكري نهايته التشرذم والتفرق؟! لماذا لا تجلس جميع الداعيات والمطالبات بحقوق المرأة على اختلاف مشاربهن إلى طاولة واحدة للحوار، وبروح الألفة والمحبة..؟! فالجميع يستظل بمظلة الإسلام، ويدعو إليه، وينافح عنه. على المرأة أن تتريث وتتروّى، وتبتعد عن كل الطرق التصادمية مع أعراف المجتمع التي تتوافق مع دينها، فهي إن أغفلت ذلك فلن تجني إلاّ عددًا أكبر من المعارضين والمناهضين لفكرتها. ما الذي يمنع النساء من عقد مؤتمرات وندوات خاصة بهنّ لتدارس مطالبهنّ وحقوقهنّ التي منحهنّ إيّاها الإسلام، وجاءت بعض التقاليد الموروثة لتغطي على كثير منها، حتى أصبحت تلك التقاليد وكأنها هي الشرع والأصل..؟! فهدف المرأة المسلمة عمومًا، والسعودية خصوصًا غير هدف المرأة الغربية التي تُطالب بإيجاد وثيقة حقوق لها، بعد أن هضمتها القوانين الوضعية، فالمرأة المسلمة في جميع أنحاء الأرض لديها وثيقة حقوق كاملة ومنصفة صاغها لها رب العالمين. فهي بحاجة إلى المناداة بتطبيقها فقط، وفق خطط وبرامج مدروسة تتواءم مع طبيعتها، وطبيعة دينها ومجتمعها، وطبيعة المرحلة التي تمر بها. والسؤال الذي تولد من رؤية المؤتمرات والندوات الخاصة بقضايا المرأة هو: ما الحاجة إلى وجود رجال في هذه المؤتمرات..؟! ألا تُناقض المرأة نفسها حين تتذمّر من وصاية الرجل عليها، ثم تأتي لتصدّره في قضاياها، وتهمل التحاور مع بنات جنسها المختلفات معها في الرأي؟!. إن قضايا المرأة السعودية اليوم باتت بين شقي رحى، فمن سائر في ركاب الغرب، مقتفٍ أثره حذو القذة بالقذة، وهو يسعى جاهدًا لجعل المرأة السعودية صورة ممسوخة عن المرأة الغربية، قاصدًا متقصدًا، أو جاهلاً مقلّدًا. وفريق آخر يريد أن يقبرها في بيتها، ويعزلها عن مجتمعها، وعن عصرها الذي تعيش فيه، مفسرًا القرار في البيت الذي تُشير إليه الآية الكريمة: (وقرن في بيوتكن) بالقبر والانعزال، وجرَّدها من كل فكر وعلم ونشاط اجتماعي، وبينما يرى هذا الفريق -أيضًا- أنه ليس من حق المرأة أن تشارك في كثير من المجالس والإدارات، ورفض حقها في الاستشارة والتجارة، يأتي الفريق الأول ليزج بها في كل عمل، وجعلها تزاحم الرجال بالمناكب، وهكذا فريق يفتح الباب على مصراعيه، وآخر يوصده بالضبة والمفتاح. لماذا لا تشارك المرأة في كل المناشط، بدون اختلاط مفتعل، وبضوابط فعلية تصون كرامتها وعفتها، لا أن نتمحّك بعبارة (الضوابط الشرعية) مع إفراغها من مضامينها. لماذا لا يكون للمرأة السعودية تجربة رائدة وفريدة، بعيدًا عن تقليد الشرق أو الغرب، ولنا في تأنيث بعض الوظائف مثل البنوك والجوازات دليل على تميز المرأة السعودية بهذه الخصوصية. فتجارب المرأة الغربية لا تتناسب مع تكويننا الديني والاجتماعي، وتقليدنا لها هو مسخ لهويتنا، وكذلك تجارب المرأة العربية في مصر وسوريا والجزائر.. لا يمكن أن تنطبق على المرأة السعودية، لأن للاستعمار دوره في بلورة تلك التجارب وتشكيلها، وتهيئة المجتمع لقبولها، إذ مر بظروف اقتصادية وسياسية وثقافية مهدت لمرحلة انتقالية في جميع مناحي الحياة، أمّا بلاد الحرمين، فلم ترضخ للاستعمار -بفضل الله تعالى- لذا فهي بلاد لها خصوصيتها شئنا، أم أبينا، وهذه الخصوصية ستظل مطبوعة على جبينها مادامت منابر الحرمين تصدع بالأذان فيها. فالتركيبة المجتمعية بجميع روافدها تختلف عن الدول الأخرى، والتغيير في هذه التركيبة يحتاج إلى نوع من الملاءمة والمواءمة لا الإجبار والمصادمة.