بعد أن قدمتُ مقالي الأسبوع الماضي عن تطوير المطار بعنوان: (خصوصية التكلفة)، قابلني رئيس التحرير، وأخرج من جيبه (مطوة قرن غزال)، وشوّح بها في الهواء، ثم وضع طرف نصلها في خاصرتي، وقال: فلنتناقش نقاشًا ديمقراطيًّا، وانتهى نقاشنا الديمقراطي بأنْ سحبتُ المقال، وتعهدتُ له (بشنبي) بعدم الكتابة في الشأن المحلي لمدة 12 سنة مقبلة. لحسن الحظ وجدت مقالاً من فرنسا ومناسبًا لهذا الشرط المجحف، فقد دُعيت زوجتي لحضور مؤتمر القمة العالمية السادسة للأسرة في باريس تحت شعار التعليم للجميع، فتسللتُ معها لكل الندوات، وأقدم لكم ملاحظاتي عن المؤتمر من الذاكرة والخيال: - هناك حماس شديد في العالم نحو دور مؤسسات المجتمع المدني NGO، ومع تحفظي على بعضها فكثير منها له دور رائع في تطبيق المبادئ الإنسانية السامية في شكل خدمات للفئة الأضعف في المجتمع، ولابد للعالم العربي أن يلحق العالم في الاهتمام بال NGO، ولاحظت كذلك من المؤتمر أنه تختلف دول العالم في ضرورة استئنذان الجهات الحكومية للأنشطة العامة، فكلّما تخلّفت الدولة زادت التعقيدات، ولزم التراخيص لكل نشاط حتى للحفلات المدرسية، أمّا الدول السوية فالحكومات تشغل نفسها بالتنمية، وبناء المستقبل، ولا تغرق نفسها في أوراق الاستئذان للنشاطات العامة، والمؤتمرات، والمسابقات، وبها مئات الألوف من المنظمات للعمل التطوعي وخدمة الغير، بمؤسسات المجتمع المدني تكون حيوية الأمم. - ثلاثة متحدثين مختلفين استخدموا عبارة نيلسون مانديلا (التعليم هو أفضل سلاح نستخدمه لتغيير العالم). - المتحدثون كانوا من قارات العالم الخمس، إلاّ أن المندوبين الوحيدين الذين يذكرون رأس الدولة في كلمتهم هم العرب، بل إن أحد المندوبين العرب خلال خطابه عند ذكره لرئيس دولته انتابته انتفاضة تلاحم، ثم رعشة خشوع خشيت أن يتبعها بسجود طويل، فعلاً إن التخلف داء لا علاج له. - يتجه العالم لجعل التعليم إلزاميًّا لكل شخص، طالما هو على أرض الدولة مواطنًا أو مقيمًا أو مهاجرًا، أو حتى بلا جنسية. - من البرتغال، وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية البرتغالية ذكرت أنهم لم يعانوا من (برغلة) الوظائف، حيث إن كل عمالهم من البرتغال نتيجة التعليم الجيد، وما لا يستطيعون إنتاجه بأيدي البرتغاليين فإنهم يستوردونه بدلاً من أن يستوردوا العمالة من بنجلاديش لإنتاجه في البرتغال، أمّا مَن يطالب بفتح الاستقدام من رجال الأعمال البرتغاليين فإنهم يعصرونه في معصرة برتقال. - في اليومين الأخيرين من القمة قدمت التجارب الناجحة من مجال التعليم من أركان العالم، تجارب رائعة تدعو للدهشة، لكن أقسم بالله أن لا أحد من أصحابها قال لنا إنهم أمة محسودة، أو مستهدفة. - لا توجد أي مدارس مستأجرة في الأناضول، بل تبنى للمدارس ملاعب وحدائق تعادل 8 أضعاف مساحة مبنى المدرسة. وقال المندوب الأناضولي إن المدارس لها الأولوية المطلقة في توزيعات الأراضي العامة، وإن لزم الأمر تنتزع الأرض من مالكها لتبنى المدرسة، خصوصًا إن كانت الأرض تحت ملكية مواطن أناضولي حصل عليها إحياء أو هبة أو منحة، ولم يدفع فيها ريالاً أناضوليًّا واحدًا لا أبيض ولا أسود، أمّا إن كان استحواذه على الأراضي قد حرم إدارة التعليم من بناء مدارس فحسب المادة 53 من القانون فإنه يحشر في تنور تميس أناضولي، على أن لا تقل درجة حرارته عن 657 درجة سنتجرد أي ما يعادل 1148 فهر نهايت. - العالم حولنا ينطلقون وبسرعة فائقة، فأصبحنا نشاهد نجاحات مبهرة لدول لم نكن نسمع بها، فالجمود مقتل الأمم. - بروفيسورة اليزابث دوناتي من جامعة تورينو خطفت عقلي برشاقة الكلمة، والعبارات القوية الحادة، فقالت يولد الأطفال لآباء أغنياء أو فقراء ويرثون منهم الغنى أو الفقر، فواجب الحكومات مساعدة مَن وُلدوا فقراء على أن يحسنوا وضعهم الاقتصادي، فدور الحكومات العمل على تحقيق العدالة الاقتصادية، فإن لم تفعل فعلى الأقل تقدم لهم العدالة في الصحة والتعليم، فإن لم تفعل فعليها أن ترحل، فأضافت زوجتي همسًا «وليكسروا خلفها قُلة»، فقلت بل «فليكسروا على رأسها قُلة». - للأسف، لم يتقدم المؤتمر برفع ترقية للرئيس ساركوزي لشكره على انعقاد المؤتمر على الأرض الفرنسية، ولا لتهنئته بالعام الهجري الجديد الذي دخل آخر أيام المؤتمر. بئس جلافة أعضاء المؤتمر. - الحمد لله هذه مقالة ليس لها علاقة بالشأن المحلي، ومع هذا أقول اللهم احمِ شنبي من مطوة رئيس التحرير. [email protected]