الشّعوب البِدائيّة تَحتاج إلى وصاية، ولا تَعيش إلَّا مِن خلال نظام الرِّعاية، وهَذا كَلام مَبثوث في بطون كُتب ومَباحث عُلماء الاجتماع، ودَارسي الفِكر السّياسي والاجتماعي، وخاصَّة مَن تَصدّوا إلى رَصد ونمو المُجتمعات الرّعوية أو الزّراعيّة، مِن أمثال «محمد جابر الأنصاري» و»متروك الفالح»، و»علي الوردي» و»جمال حمدان».. وغيرهم..! والأمر -أعني أمر الكَفيل أو الرَّاعي- لا يَخص قطاعًا بعينهِ، بل هو يَتمدَّد ليَشمل كُلّ القطاعات.. خُذ مَثلاً.. الأدبَاء يَحتاجون إلى كَفيل يُسمَّى «عَميدًا»، والشُّعراء لَهم كَفيل يُدعى «أمير الشُّعراء»، وكُلّ المَشاريع تَحتاج إلى «إذن أو فَسح، أو تَصريح أو تَرخيص»، وهذه الكَلِمَات كُلّها تَدخل في نظام «الكَفالة الشَّامِلة»..! وفي المَحاكم هُناك كَفيل اسمه «شَاهد أو مُعرّف أو مُزكّي».. إلخ، وفي عَالم الشِّراء هُناك كَفيل لمَن يَشتري بالأقسَاط، وهُناك وَكيل ومُعقِّب... إلخ..! والكَفيل يَدخل في كُلِّ الدَّوائر.. فالمَرأة تَحتاج إلى مَحْرم، وهو بوجهٍ مِن الوجوه «كَفيل شَرعي»، والمُسلم لا يَستغني عن «كَفيله الدِّيني»، فهو إمَّا مُرشدًا أو مُصلحًا، أو مُفتيًا أو مُطوّعًا، وقَديمًا قَال أهل نَجد: (اجعل بينك وبين النَّار مُطوّع)، بمَعنى (دَع المُفتي مَسؤولاً عَنك وعَن مُمارساتك)..! ومِن أغرب الأشياء أنَّ هُناك «المَحْرم الفَضائي»، وهذا اختراع «عَرفجي»، قصدتُ به ظهور بَعض المَشايخ المُتكسِّبين بالدُّنيا في الفَضائيّات، التي تُصنَّف عند شَرائح مِن المُجتمع بأنَّها «هَابطة»، أو «رَديئة السُّمعة»، حيثُ تَلجأ هَذه القَنوات إلى إحضَار شيخ «نصف مُتحضِّر»، ومَقبول مِن شَرائح المُجتمع، وتَجعله يَظهر أسبوعيًّا أو يَوميًّا، لتَحسين سُمعة هذه القَناة، ليَقول السذَّج: (لو كَانت هَذه القَنوات مَاجنة أو هَابطة؛ لما ظَهر فيها الشّيخ الفُلاني أو الوَاعِظ العلَّاني)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القَول: إنَّ كُلّ شَيء لَه كَفيل ومَحْرم، ومَا ظهور الوعَّاظ «المُودرن» في الفَضائيّات -المَشكوك في أهليّتها- إلَّا نَوعًا مِن لعب دور المَحْرم، الذي تُلزَم به كُلّ فَتاة أرادت السّفر إلى الخَارج، فالمَرأة تَعبر إلى القَارَّات بمَحْرم، والفَضائيّة تَدخل إلى قَارَّاتنا بمَحْرم، ولا فَرق بين فَتاة وقَناة إلَّا أنَّ مَحْرم القَناة يُمكن تَزويره، بينما هَذا لا يَحصل مَع مَحْرم الفَتاة..! والله من وراء القصد،،،