قضايا الخادمات خاصة والعمالة المنزلية عامة لا تنتهي، وكأننا نلف وندور في دائرة مفرغة، ومشكلات الأطراف ستظل باقية طالما لم تحدث استجابة لمتغيرات هذا القطاع العريض؛ لمواجهة الحجم المتزايد من المتاعب والمشكلات والشكوى. وفي النهاية هناك معاناة مستمرة للكفيل وللعمالة، ولا ننسى الخسارة في سمعة بلادنا وما يقال في إعلام تلك الدول ومنظمات حقوقية عن تعذيب للعمالة المنزلية وهضم لحقوقها. إذا قلنا هناك هروب للخادمات والسائقين.. نعم يحدث وأصبحت ظاهرة مهما قللنا من حجمها. وإذا قلنا إن هناك ضرر مادي ومعيشي على الكفيل وأسرته جراء ذلك والخسارة المادية.. نقول: نعم هذا حاصل أيضًا. وإذا قلنا هناك عصابات لتهريب الخادمات والسائقين.. بالتأكيد يوجد مثل هؤلاء وبشكل منظم، وغالباً من يأتي إلى بلادنا من العمالة المنزلية يعلم جيدًا ما يحدث في سوق العمالة المنزلية، بل إن ثقافة الهروب يتم تلقينها من مكاتب تسفير العمالة هناك، والتي بدورها تحصل على رسومها وزيادة أضعافًا مقدمًا من الخادمة والسائق ولا يهم ما يحدث بعد ذلك. وإذا قلنا إن هناك عنفًا من بعض الخادمات إلى حد القتل لأطفال وسرقات، فهذا أيضًا حاصل ولا أحد ينكره حتى لو كانت حالات فردية. كل هذا وأكثر يحدث، ولكن لماذا لا ننظر للوجه الآخر من القضية؟! وأقصد بذلك: ألا يوجد تعذيب وعنف من بعض الكفلاء وربات الأسر ضد الخادمة بشكل خاص؟. نعم يوجد ذلك وحبر وقائعها لم يجف بعد، وآخرها قضية تعذيب خادمة في المدينة والعثور على جثة لأخرى في أبها وتتولاهما الجهات المختصة. ألا يوجد إيذاء نفسي من رب أو ربة الأسرة أو أبنائهما أو كلهم جميعًا؟. نعم يوجد ذلك، ثم نقول (حالة فردية) عندما يتحول العقاب النفسي إلى إيذاء بدني ويثبت لدى الجهات الرسمية وتنشرها الصحف. أيضًا هل يلتزم الجميع بساعات عمل محددة للخادمة والسائق؟ أم هي وهو دائمًا تحت الطلب ورهن الإشارة ليل نهار، وأول من يستيقظ وآخر من ينام!. ألا يؤخر البعض مستحقات لمخدومته أو سائقه حتى لا يشردوا أو يضمن عودتهم من الإجازة في بلادهم؟ بالطبع وليس بالتخمين هذا يحدث أيضًا، وإن قالت أوراق الكفيل غير ذلك بأنهم وقّعوا وبصموا على ورقة باستلام كامل الرواتب. مشكلتنا يا سادة أن بعضنا يجعل نفسه الطرف الأقوى وفوق الشرع والأنظمة ويستبد في معاملته لمخدوميه، ويستعبدهم باعتبارهم الطرف الأضعف الذين جاءوا لخدمتهم في أي شيء وفي كل وقت مقابل الراتب، ولا ينظر بميزان العدل والرحمة، ودون راحة أسبوعية، وهؤلاء لا يعرفون إلا الأمر والنهي والازدراء والصياح من الصغير قبل الكبير ولا يطفو على السطح شيء لأنه خلف الأبواب المغلقة.. فمن يحاسب أمثال هؤلاء؟!. أنا لا أدافع عن العمالة بالمطلق، ولكن بالفعل يجب الدفاع إذا بلغ الأمر هذا الحد من القسوة، وأتحدث حقيقة عن واقع يؤلمنا عندما يتعلق الأمر بحقوق إنسانية يستهتر بها البعض ويظلم ويمس صورة بلادنا ومجتمعنا حتى لو قلنا (للمرّة المائة) إنها حالات فردية. لذا أدعو إلى حلول جذرية بتعديل بعض الأنظمة الكفيلة بحل هذا التشابك، وأدعو إلى حملات إعلامية من مختلف الوسائل لتأكيد ثقافة الرحمة والحسنى ومبدأ الحقوق والواجبات بدلًا من تعميم ثقافة التخوين والتشكيك والتخويف وكأن الخادمة شر مستطير، وننسى الاستماتة في استقدامهن والمطالبة بتيسير الإجراءات وتخفيض الرسوم، وننسى أيضًا أننا نحن من أوجد السوق السوداء لهذه العمالة ويشجعها على الهرب والتستر على تشغيلها. فإذا كان كل ذلك يحدث من الطرفين والقضايا تتزايد وتتشابك والحوادث الأخيرة تصاعدت ملفاتها إلى الجهات المعنية الرسمية حتى على الصعيد الدبلوماسي مع إندونيسيا لحلها وطمأنتهم على عمالتهم في بلادنا، فإن الأمر أصبح يتطلب حلولًا حاسمة ليس فقط لضمان حقوق الجميع وإنما أيضًا لردع كل من يخالفها من الطرفين، حتى لا نغوص أكثر في مشكلات أكبر لن تنتهي طالما بقي الحال على ما هو عليه، ثم نختزل كل ذلك في أنها حوادث فردية. [email protected]