ماذا بقي من أيام الزمن الجميل ؟ وماذا بقي من خصالنا التي تربينا عليها وقيمنا التي كانت تغرس في وجداننا مع أول رشفة حليب من صدور أمهاتنا ؟! ما الذي بقي لأمة العرب بعد أن ضيعت ملامحها وفرطت في أخلاقياتها وقلدت الغرب في رذائله ، دون أن تحذو حذوه في مسيرة النهضة والتقدم وتحكيم المنهج العلمي؟ لقد أصبحنا مسخا يحمل مزيجا عجيبا تفوح رائحته من على بعد. لم نعد نحن ولم نعد هم. فرطنا في الضمائر بعد أن فرطنا في الضمير، ال (هُم) أصبحوا نحن في بعض الأحيان ، وال (نحن) أصبحت هم في أحيان أخرى . حتى الجهات الأصلية التي درسناها في علم الجغرافيا لم نعد قادرين على تحديد موقعنا بناء على معاييرها. نحن لم نعد نقف في الشرق، كما أننا لم نستطع أن نقف في الغرب. لقد جمعنا أسوأ ما في الشرق وأسوأ ما في الغرب، فتجاوزنا واقع التخلف لندخل مرحلة جديدة هي مرحلة التشوه. ابن الأخت لم يعد يظهر أدنى درجة من درجات الاحترام لخاله الذي كان حسب أدبياتنا الشعبية والدا ثانيا. وابن الأخ لم يعد ينظر إلى عمه باعتباره يقوم مقام والده. وكذلك حدث ولا حرج عن العمة والخالة والجد والجدة. هل هذا هو التطور الطبيعي لمجتمع كان يقوم حتى وقت قريب على التكافل والاحترام وتقدير الكبير ورحمة الصغير ؟ وإذا كان ما نراه لازمة من لوازم التطور ، وإذا كان مرحلة من مراحل النمو الطبيعي، فلماذا يزداد وضعنا سوءا، ولماذا يستفحل التخلف لدينا، ولماذا تسود الخرافة وينسحق العقل وتبوء أية محاولة للتبشير بالمنهج العلمي باعتباره الحل الأول لتخطي واقعنا الغارق في التخلف، بالفشل الذريع؟ قلت في فقرة سابقة أننا تخطينا مرحلة التخلف ووصلنا إلى مرحلة التشوه. أنا لا أدعي أن حياة أسلافنا القريبين كانت مثالية، ولا أزعم أن تعسف البعض في استخدام حقوقه على الأبناء حد القسوة المفرطة، كان شيئا إيجابيا. إنني أتحدث فقط عن انقلاب الموازين مع أن الطبيعي والصحي هو أن نشهد تعديلا لهذه الموازين لا انقلابا كليا عليها. إننا باختصار لم نعد نحن، كما أننا لم نصبح هم .. فمن نحن ..؟ من نحن ؟! [email protected]