اتصلت الأم الهلعة بالشرطة ليفعلوا شيئًا، في إبنها المراهق المريض بمتلازمة التوحد دخل غرفته وأوصد بابها. وحاولت الأم لفترة غير قصيرة أن تطمئن عليه دون جدوى، فلا (تخبيط) نفع، ولا (صياح) صلح. خشيت الأم أن يكون صغيرها ووحيدها في (حالة) غير طبيعية لا يتوجب السكوت عليها. الشرطة بدورها أحالتها إلى الدفاع المدني بحكم النظام المتبع، وبدورها سارعت الأم إلى الاتصال بالدفاع المدني (مؤملة) أن تكون المشكلة (العويصة) إلى حل، وأن المدد قادم والاستجابة حاصلة. لكن المسكينة خاب ظنها حين اشترط الموظف الذي أجاب على الهاتف أن يكون في الدار رجلًا محرمًا، فاستغربت (هكذا) سؤال في (هكذا) موقف، سؤال لا محل له من منطق أو شرع أو عقل! قالت له: لو كان في البيت رجلًا لما استنجدت بكم! واستمعت إلى همهمات محدثها وهو يناقش مسؤولاً أعلى منه رتبة، والمسؤول مصر على موقفه: إما رجل في الدار، وإما نسيان الموضوع. هكذا كان تعامل الجهاز المؤتمن على حياة المواطن.. برود وجمود ولا مبالاة!! عدت بالذاكرة إلى سنوات مضت.. إلى حريق مدرسة البنات في العاصمة المقدسة، وتذكرت كل ذلك (الجدل) الطويل الذي دار حول ما يجوز وما لا يجوز عند حدوث الحريق. فريق كان يرى أن عورة البنت أهم من إنقاذ حياتها، وأن لا سبيل إلى إنقاذها إلاّ بحضور ولي أمرها. وتذكرت أن قريبتي هذه كانت ستكون من الهالكين لو أن نارًا شبت داخل الدار ولا محرم في الدار! هل هي حقا (التعليمات)؟ أم هي (العقليات)؟ لا أظنها الأولى.. ربما كانت تعليمات قديمة منسوخة رسميًا، لا تزال معشعشة في عقول أفراد لا يريدون إلا (تصريف) المتصل بأي وسيلة كانت. في ظني أنها العقليات المتكلسة التي تلجأ دائمًا إلى الأسهل لتبرر كسلها وعجزها وتقصيرها وعدم رغبتها في العمل الذي تستحق عليه الأجر آخر الشهر. أما القضية الأخرى، فالغموض الذي يلف حقوق المواطن، فهذه السيدة لم تستطع أن تجادل خصمها الذي يتكئ على النظام، والنظام منه برئ. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!. [email protected]